السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة جزائرية، أبلغ من العمر 24 سنة، متدينة، وخلوقة، ومثقفة، تعرفت على شاب يريد الزواج من عائلة محترمة، وهو مثقف ومتدين، يعمل ويكسب قوت يومه بالحلال، والذي زادني تعلقا به هو تمسكه بدينه وأخلاقه، ولا يترك صلاته أبدا، ولكنه من بلد غير بلدي.
ولكن عندما عرضت على أمي الموضوع، وأنه يريد أن يتعرف عليها أكثر، ويأتي لخطبتي، رفضته بحجة أنه بعيد عنا، وليست لدينا أي طريقة لنسأل عنه وعن عائلته، والحوار مع أمي صعب جدا، فاستعنت بخالتي لتتكلم معها، ولكن دون جدوى، وأنا حقيقة لا أريد أن أخسره، لأنه نعم الزوج، والغريب في الأمر أن أمي كانت تعلم بعلاقتي معه منذ البداية، وكانت موافقة، ولكنها تغيرت فجأة، مع العلم أن هذا الشاب وأمه يريدانها أن تأتي لتعيش معي، ولكنها لا تريد.
أنا محتارة في أمري، ولم أجد سبيلا لإقناعها، وفي النهاية أنا من ستتزوج، ولكني محتارة في إقناع أمي، وكلما استخرت ازددت ارتياحا له، وأرى بأن سعادتي معه، وأريد الحلال، فأرجو أن تساعدوني بإعطائي حلولا أقنع بها أمي بزواجي.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Amira حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك - أختنا الفاضلة - في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي وقت، ونسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير، وأن يرضيك به، وأن يوفقك للزوج الصالح الذي تسعدين معه في دنياك وأخراك.
وبخصوص ما سألت عنه، فإننا نود الإجابة من خلال النقاط التالية:
أولا: إننا نحمد الله إليك على تدينك وأخلاقك، وهذه إحدى سمات الأخت المسلمة، ونسأل الله أن يزيدك إيمانا، وأن ينور قلبك، وأنت تعلمين - أيتها الفاضلة - أن من ثمار الإيمان أن العبد يوقن ويعلم أن كل شيء قدره الله عز وجل قبل خلقه، وأن ما كان له سيأتيه، فلا ينفع الحرص في جلب ما منعه الله، ولا يعوق عطاء الله شيء، فعن عبد الله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " فرغ الله تعالى من مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء "، وفائدة الإيمان بهذا الأمر؛ أن صاحبه يجد الرضا ويستشعر حلاوته، فإذا قدر الله أن يكون هذا الشاب زوجا لك فسيكون لا محالة، وإذا كانت الأخرى، فحرصك واجتهادك لا يستجلب ما منعه الله.
ثانيا: أن كل قضاء يقضيه الله بحكم، ومن لوازم الإيمان أن نؤمن أن الله يختار لعبده الخير، وأن كل شي يقع في ملك الله عز وجل هو لحكمة قد نغفل عنها اليوم وندرك كنهها غدا، وقد يصدمنا الواقع، لندرك بعد فترة أن اختيار الله لنا كان هو الأسلم والأفضل، ولذلك من بركات الإيمان أن صاحبه مسلم لله في كل شيء، ومؤمن بأن ما وقع له هو الخير لا محالة، ويكفينا في ذلك قوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: 216].
فالتسليم لله في كل شيء هو الأسلم للعبد، فإن وقع ما أراد فليحمد الله عليه، وإن وقع ما يكره فليعلم أن الخير من وراء ذلك، متذكرا قول الله تعالى: "فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا".
ثالثا: لا تحكمي على شيء لم تدركي أبعاده، ولم تعرفي مآله، فالقول بأن هذا الرجل (نعم الزوج) هو ضرب من الغيب، قد يكون صحيحا وقد يكون غير ذلك، والاقتناع برجل لمجرد حديثك إليه يعد نوعا من التهور، فلابد أن تسألوا عنه جاره الأقرب، وصاحبه في العمل، وافتراض كونه صادقا أمر وارد، والافتراض الآخر أمر قائم، ولا تبني الحياة الزوجية على مثل هذه المعلومات غير الدقيقة، واعتبري بأخوات كثيرات تزوجن من دون دراية ولا علم، وكانت حياتهن أشبه بالجحيم، لأنهن خدعن في الرجل، لذا ننصحك ألا تحكمي حكما أنت لم تعرفي أبعاده.
الأخذ بالأسباب: بعد أن تقرر ما مضى - أختنا الفاضلة -، وبقي علينا أن نأخذ بكل الأسباب المتاحة لإتمام العرس إن كان فيه خيرا، وهذه الأسباب على الترتيب ما يلي:
أ- الاستخارة وقد فعلتها.
ب- الحديث إلى أمك عن طريق من تحب، ولا تكتفي بواحدة فقط، فإن كثرة المتحدثات إلى والدتك ممن تحبهم يعطي لها إشارة أن الأمر جاد.
ج- إيجاد البدائل والحلول، فلا شك أن أمك وحيدة، وأنت بالنسبة لها كل شيء، وهي لا تتخيل الحياة بدونك، كذلك هي كأم تخشى من تقلبات الحال، ووجودك في بلد غير بلدكم أمر تخشاه كل أم، خاصة وليس لك في هذه البلدة من تذهبي إليه عند حدوث أي نوع من المشاكل التي لا تخلو منها بيوت الناس، وهذا ينبغي أن يكون حاضرا في ذهنك، ولو كنت أنت الأم لعلمت كيف يكون الأمر شاقا.
إذن فعليك إيجاد البدائل، والتي منها:
انتقال الوالدة للعيش معكم، أو انتقالكم للعيش معها، أو وعود بزيارات متعددة وإن تكلف الأمر قليلا من أجل إرضائها فلا حرج.
رابعا: ننصح بزيارة الأخ في المرة الأولى زيارة تعارفية دون أن تكون مقيدة بخطبة، فإنها إن تحدثت معه، ورأته، واطمأنت له، قد يكون ذلك عاملا إيجابيا في اتخاذ القرار المناسب.
خامسا: لابد قبل المجيء من السؤال عنه بأي طريقة حتى ولو كانت السفر إلى المغرب، أو الاتصال بمن يعرف، ولا بديل عن ذلك - أختنا الفاضلة -، وقد يكون في السؤال عنه ومعرفة صدقه وأمانته عامل جيد لاقتناع والدتك، وإن كانت الأخرى - لا قدر الله - فقد وقاك الله الشر وصرفه عنك.
سادسا: اجتهدي في إرضاء والدتك، واعلمي أن أي أم في الحياة تقدم مصالح أولادها على ذاتها، وهذه حقيقة ربما لن تدركيها اليوم، ولكن يوما ما حين يكون عندك أولاد ستدركين جيدا معنى هذا الكلام.
نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يصرف عنك كل شر، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.
والله الموفق.