السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أمر كالعديد من الناس بابتلاءات صعبة، وكان أشدها على نفسي مرض ابني الأكبر، فكلما شاكته شوكة أشعر بأنها قد شاكتني أنا، أدعو الله ليل نهار أن يكشف عن ولدي كل سوء، وكل ضر أصيب به، وأنا على يقين بإجابة الله لدعائي، ولكن بالكيفية التي يراها، وفي الوقت الذي يريده، ولكنني أحزن كلما رأيت ابني مريضا، ولا أستطيع أن أقدم له شيئا، وأقف مكتوف اليدين أمامه.
هل حزني هذا على ابني هو جزع من قضاء الله وقدره؟ وكيف أصبر نفسي على تلك الظروف التي أمر بها؟ جزاكم الله كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك أيها الأخ الحبيب في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك معنا، ونسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته أن يمن على ولدك بالشفاء العاجل.
نحن نتفهم أيها الحبيب أثر هذه الأمر على نفسك، ولكننا في الوقت ذاته نذكرك بسنة الله تعالى في خلقه، وأنه سبحانه وتعالى لا يفعل شيئا سدى ولا يقدر شيئا عبثا، فهو العليم الحكيم، وهو البر اللطيف، وهو الرحمن الرحيم، فأسماؤه وصفاته تدل على حكمته البالغة فيما يقدره سبحانه وتعالى ويجريه على عباده، ومن ثم فينبغي أن نفهم -أيها الحبيب- الأقدار التي تنزل بنا في ظلال هذه الأسماء الجليلة لربنا الرحمن سبحانه وتعالى، فإنه أرحم بنا من أنفسنا وآبائنا وأمهاتنا، ولا يقدر علينا شيئا لإهلاكنا وإتلافنا، ولكنه سبحانه وتعالى يقدر علينا ما نكره لأن ذلك المقدور ينطوي على كثير مما نحب، ولكننا قد ندرك ذلك أحيانا ونغفل عنه أحيانا كثيرة، لذلك قال لنا جل شأنه: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
إذا أصاب الرب الرحيم عبدا من عباده بآفة ومرض فتلك المحنة تحمل منحا عظيمة، وقد أخبرنا نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- عن بعض تلك المنح الإلهية الجليلة التي تنطوي عليها المصائب والأقدار المكروهة، فقال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له).
هناك خير كثير أيها الحبيب، تنطوي عليها هذه الأقدار والمصائب، ينبغي لنا أن نتذكر ذلك حتى نستعين به على تلقي هذه الأقدار بحبس النفس ومنعها من التسخط والتبرم والتضجر من قدر الله، فإن الصبر المأمور به هو هذا، أي أن نمنع الأنفس من التضجر من أقدار الله تعالى والتسخط وشكاء الله تعالى إلى الناس.
أما وجود الحزن في القلب لنزول المصيبة والتألم منها – ونحو ذلك – فهذا لا ينافي الصبر، فقد يكون الإنسان صابرا ومع ذلك يشعر بمرارة المصيبة وثقلها على نفسه، وإن كان هذا ليس هو الحال الكامل للإنسان المؤمن، فإن المؤمن الذي يؤمن تمام الإيمان بما سبقنا به من حسن تدبير الله تعالى ورحمته وإحسانه فيما يقدره ويقضيه، الإنسان المؤمن إذا أيقن بهذا تمام اليقين فإنه يتقبل المصائب بشيء فوق الصبر وهو الرضا، ولكن هذا الرضا ليس واجبا؛ لأنه مقام عال، وقد يعسر ويصعب على بعض النفوس، فهو من المستحبات، أما الصبر بمعنى حبس النفس ومنعها مما ذكرنا من قبل، فهذا هو الذي أوجبه الله تعالى.
مما يعينك أيضا على الصبر أيها الحبيب، أن تتذكر الفوائد الجليلة والأجور العظيمة التي رتبها الله عز وجل على الصبر، كما قال جل شأنه: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} فالصبر وحده لن يحصى ثوابه بعدد، فإن الله عز وجل يفرغ على الصابر من الثواب ما لا يحصيه إلا الله تعالى، وقد أخبرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن المصائب قد تكون علامة على محبة الله تعالى للإنسان، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم).
مما يعينك على الصبر أيها الحبيب أن تتأسى بغيرك من المصابين، فإن غيرك قد أصيب بما هو أعظم من مصيبتك، وهذا مما يسهل على النفس البشرية تحمل المصيبة إذا رأى من أصيب بمثل مصيبته أو أعظم، فإن التأسي والمواساة للنفس بالمصابين يرفع عنها ثقل هذه المصيبة.
ننصحك أيها الحبيب بأن تطالع وأن تقرأ ما كتبه العلماء الربانيون عن الصبر والصابرين، ومن أحسن ما كتب كتاب ابن القيم – رحمه الله تعالى – (عدة الصابرين).
نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يأخذ بيدك إلى كل خير، وأن يمن بعاجل الشفاء على ولدك، إنه جواد كريم.