السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
عمري 30 سنة، توفيت أمي وتزوج والدي وتركني، وحاليا أسكن في بيت جدي، وبحسب سكني في بيت عائلة كبيرة تصل إلى 15 شخصا تقريبا، فهو دائما ما يتواجد فيه الضيوف والأحداث، ولكني أعتبر نفسي شبه وحيدة أو مهمشة، فاحتياجاتي تكون في الأخير، أو لا تكون أصلا ضمن القائمة، وكلامي كله محسوب علي، ولا أقدر أن أتصرف على طبيعتي، فكل غلطة أخاف أن يأخذني أبي، ومع ذلك فقد كان هذا الوضع طبيعيا بالنسبة لي.
ولكن التغير صار عندما توظفت في مكان مختلط، وصرت إنسانة لي كياني ورأيي، وحظيت باهتمام كبير باسم الموظفة، وصرت مشهورة بسرعة، وصارت لي مشاكل مع أهلي، وضغوطات خلفت مشاكل في دوامي، فاستقلت، وكان المفترض أن ترجع حياتي كما كانت في السابق، والمفروض أن أتقبلها، ولكني لاحظت على نفسي بأنه أصبح لدي اكتئاب وتبلد من الحياة، وكأنني أموت، وأصبح نومي يصل 14 ساعة، وأصبح متقطعا وقليلا، وانعدمت شهيتي للأكل، وصرت أحب الجلوس في البيت، ولا أطيق الخروج، وكرهت الأسواق، وأصبحت أقرف من الرجال وأخاف منهم بشدة، مع العلم أنه تأتيني نوبات اكتئاب وشعور بإيذاء نفسي بسكين أو آلة حادة حتى رؤية الدم منذ أن كان عمري 16سنة، فما تشخيصكم لحالتي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زينة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أنا أعتبر أن حياتك قد تطورت، أنت انتقلت من مرحلة إلى مرحلة بعد وفاة الوالدة –عليها رحمة الله–، وتزوج الأب، ونشأت مع جدتك في ذاك البيت الكبير، بالرغم من شعورك بالانزواء، وأنك شخص مهمش نسبيا، إلا أنني أعتقد أنك قد اكتسبت مهارات من خلال الظروف التي مرت بك، ومن خلال ملاحظاتك، ومن ثم حين أتيحت لك فرصة الوظيفة، وانطلقت مهاراتك، وظهرت إمكانياتك الحقيقية.
هذه مرحلة هامة قطعا، أكسبتك الكثير من المعرفة، والتدبر والتأمل والتفكر في الحياة، الآن مشكلتك هو ما أسميته بالمزاج الاكتئابي، وأعتقد أنه أيضا لديك درجة من الفكر الوسواسي.
التقزز من الرجال غالبا ما يقوم على مفاهيم خاطئة، وجزء من عملية الهشاشة النفسية التي تمرين بها.
أما بالنسبة للشعور بأذى نفسك بالسكين:
فأعتقد أن هذا شعور اكتئابي وليس قنوطا أو يأسا من الحياة، والشعور الاكتئابي أو الوسواسي من هذا الطراز يمكن لصاحبه أن يصرفه من خلال الاستغفار، وتذكر النص القرآني: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}، وقوله: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}، وأن تتدبري وأن تتفكري، وأن ترحمي ذاتك، وأن تعرفي أن قيمتك قيمة عظيمة وكبيرة جدا، تقوم على أن الله تعالى قد كرمنا كبشر.
أرجو أن تتدبري وتتأملي وتتفكري، هذه من أهم الوسائل التغيرية التي نريدها على المستوى الفكري حتى نزيل القلق والتوترات والاكتئاب.
والاكتئاب مرض فكري ومزاجي في المقام الأول، ولابد أن يكون علاجه مزاجيا وفكريا، فحياتك -إن شاء الله تعالى- طيبة، فاجعلي لنفسك فتوحات جديدة من خلال تغيير نمط الحياة، كوني إيجابية في تفكيرك، تواصلي اجتماعيا، نمي بعض الهوايات وزيدي من الرغبات، ويجب أن يكون أفضلها الذهاب إلى مراكز تحفيظ القرآن، هنالك خير كثير، تجدين النموذج الصالح من النساء والرفقة الحسنة الطيبة وتعلم كتاب الله.
أيتها الفاضلة الكريمة: أنا أرى أنك أيضا قد تكوني محتاجة لأحد الأدوية المضادة للاكتئاب، ولكن نسبة لهذه الأفكار القبيحة –أي الأفكار التي تحثك على إيذاء نفسك–، فيفضل أن تقابلي الطبيب النفسي، وإن شاء الله تعالى سوف يصف لك الدواء المناسب والمناسب جدا.
أرجو أيضا أن تمارسي أي نوع من الرياضة تناسب الفتاة المسلمة، فالرياضة مجددة للطاقات النفسية والجسدية، وما تعانين منه من نوم لفترات طويلة أعتقد أنه ناتج تماما من الاكتئاب النفسي، وهذه ظاهرة معروفة.
وبهذه المناسبة سيكون أيضا من الأجدر والأفضل أن تجري بعض الفحوصات الطبية الروتينية، مهمة جدا، أن تعرف مستوى الدم لديك، ووظائف الغدة الدرقية، ومستوى فيتامين (د) وفيتامين (ب12)، فهذه لها علاقة كبيرة في بعض الأحيان بعلة الاكتئاب النفسي.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.