الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدتي زادت حالة اكتئابها وأصبحت تخرج من المنزل دون وعي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في الحقيقة، لا أعرف من أين أبدأ، لكن الأمر يخص والدتي، فمنذ عام ونصف تقريبًا، أو ربما اقتربنا من العامين، بدأت حالتها الصحية والنفسية في تدهور، بدأ الأمر بارتفاع في مستوى السكر، إلى جانب سوء الحالة النفسية، وكان الجو العام في المنزل مليئًا بالمشاكل والخلافات؛ مما ساهم في تدهور حالتها أكثر.

تطورت الأعراض، وبدأت والدتي تعاني من الأرق المزمن، وكانت تمر ليالٍ كاملة دون نوم، بالإضافة إلى الهلاوس، فعرضت نفسها على طبيب نفسي لأنها كانت تشعر بالحزن، وتقول: إنها تشعر بالضيق.

قام الطبيب بتشخيص حالتها على أنها اكتئاب بسيط، وكان الوضع في بدايته بسيطًا بالفعل، ووصف لها دواءً أذكر منه اسم مرتميماش، ولكنها لم تكمل العلاج، فتدهورت حالتها.

ذهبت بعد ذلك إلى ستة أطباء نفسيين، وكل طبيب كان يشخّص حالتها بشكل مختلف، أحد الأطباء شخص حالتها بأنها زهايمر، رغم أن عمرها صغير نسبيًا، وكانت لا تزال تحتفظ بتركيز جيد، وبعد هذا التشخيص، ساءت الأمور كثيرًا، وبدأت تخرج من المنزل دون وعي، وازدادت الهلاوس، وصارت تصرخ بصوت عالٍ، ولا تنام طوال الليل، وكانت تتحرك في المنزل ذهابًا وإيابًا باستمرار.

انقطعنا عن المتابعة مع هذا الطبيب؛ لأنه تسبب في تدهور حالتها بشكل ملحوظ، وبعد ذلك ذهبنا إلى طبيبة أخرى، وشخّصت الحالة على أنها فصام ذهني، لكننا لم نستمر معها أيضًا؛ لأن العلاج لم يفدها.

ثم توجهنا إلى طبيب كبير، يشغل منصب رئيس قسم بإحدى كليات الطب في جامعتي القاهرة والمنيا، وشخّص حالتها على أنها اكتئاب حاد، ووصف لها علاجًا شعرت معه بتحسن بعد أسبوعين فقط من استخدامه، ومنذ ذلك الوقت ونحن نتابع معه، وقد قارَبنا على إكمال عام من المتابعة.

والأدوية التي وصفها كانت: ساتومين 100 ملغ، بالوران 40 ملغ، ثم أضاف لاحقًا تربتيزول 25 ملغ. ومؤخرًا أضاف بريانيل سي آر صباحًا.

تحسنت حالتها كثيرًا مقارنة بالبداية، ولكنها في الشهر الماضي حاولت الانتحار، وألقت بنفسها في البحر، مع العلم أن هذه السلوكيات لم تكن موجودة في بداية مرضها، رغم أن حالتها النفسية كانت حينها أسوأ.

في الفترة الأخيرة، أصبحت تُعاني من خمول شديد، وتنام معظم الوقت، حتى إنها تجد صعوبة في القيام لأداء أبسط الأمور، مثل: الذهاب إلى دورة المياه -أعزكم الله-.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زهرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لوالدتك العافية والشفاء.

موضوع الاختلاف حول التشخيص في الطب النفسي أمر نراه كثيرًا؛ حيث إن نحو 40 - 50% من الحالات يحدث فيها تباين في التشخيص، لذلك ليس من المستغرب أنكم تنقلتم بين الأطباء حتى تصلوا إلى التشخيص الصحيح، وقد يكون الأمر شاقًا عليكم كأسرة، لكن -الحمد لله- أنكم في نهاية المطاف وصلتم إلى الطبيب الذي شخص الحالة بدقة، ووضع الخطة العلاجية المناسبة التي صارت عليها الوالدة، وقد تحسنت عليها.

أمَّا الآن: فقد حدث أمر مهمٌ جدًّا وكبيرًا جدًّا، وهو محاولة والدتكم الانتحار، وهذا يُعد من أخطر الأحداث في الطب النفسي، ولا يمكن التعامل معه بتهاون أبدًا، خاصة مع سيدة فاضلة مثل والدتكم، وامرأة مسلمة مؤمنة، والمسلم أو المؤمن لا يقدم على هذا الفعل أبدًا؛ لأنه يعلم ما وراء هذا الفعل من خلودٍ في عذاب دائم، كما ورد ذلك في السنة المطهرة، لذا من الضروري أن تذهبوا بها فورًا إلى الطبيب الآن.

أنت ذكرتِ أن هناك مراجعة للطبيب بعد مرور سنة من المتابعة، ولكن في ظل هذا الحدث الجديد لا بد من زيارة الطبيب الآن مباشرة؛ لأن محاولة الانتحار ليست بالأمر البسيط ولا بالسهل، وأرجو ألَّا تنزعجي من حديثي هذا، إنما أريد أن أطلعك على الحقائق كما هي.

من المؤكد أن الخطة العلاجية تحتاج الآن إلى تعديل؛ إذ أن الحالة قد تكون دخلت في طور من الاكتئاب العميق، أو الاكتئاب الذهاني المطبق، وهذا النوع من الاكتئاب قد يتطلب أحيانًا جلسات علاج كهربائي، أو اللجوء إلى العلاج الدوائي الأحدث، مثل: عقار (ايسكيتامين، Esketamine)، الذي أثبت فعاليته الكبيرة في علاج الأفكار الانتحارية بصورة جيدة جدًّا.

وبالتوازي مع العلاج الطبي، ينبغي أن تكونوا قريبين من الوالدة، وأن تساندوها نفسيًا بشكل دائم، وتغرسوا فيها مفاهيم الأمل والرجاء، والثقة بالله تعالى، وحسن الظنِّ به سبحانه، وأنا على يقين أنكم لن تقصروا في هذا الجانب أبدًا.

أمَّا من ناحية التشخيص: فأعتقد أن التشخيص الأقرب هو الاكتئاب الذهاني، وقد بدأ الطبيب فعلًا -جزاه الله خيرًا- بعلاجها بمضاد الاكتئاب الجيد، مثل: الـ (ساتومين، Statomain) المعروف بـ (فلوفوكسامين، Fluvoxamine)، واسمه التجاري أيضًا فافرين Faverin، لكنه يُعد ضعيف الفعالية نسبيًا في بعض الحالات، وقد تحتاج الوالدة إلى تغييره لعقار آخر أكثر فاعلية.

أمَّا بالنسبة لعقار الـ (بالوران، Baloran): والذي يعرف (لوراسيدون، Lurasidone)، ويسمى تجاريًا أيضًا (لاتودا، Latuda)، فهو من الأدوية الممتازة والحديثة، وله فاعلية كبيرة في علاج الاكتئاب الذهاني والذهانيات بشكل عام.

أما دواء الـ (تريبتيزول، Tryptizol): الذي تتناوله الوالدة حاليًا، فهو غالبًا لتحسين النوم، ويُعطى بجرعات منخفضة لهذا الغرض.

فيا أيتها الفاضلة الكريمة: أرجو أن تذهبوا بالوالدة إلى الطبيب.

أمَّا بخصوص موضوع الخرف أو الزهايمر: فهذه الأمراض قد تبدأ ببدايات بطيئة جدًّا، وقد تظهر أحيانًا في شكل قلق، واضطراب بسيط في التركيز، أو تغيرات مزاجية، وعسر في المزاج، وربما لهذا السبب شخصها أحد الأطباء في السابق على أنها تعاني من أعراض الخرف، لكن طالما أنكم الآن تتابعون مع طبيب مقتدر، فبإذن الله إن وُجد أي بوادر لهذه الحالات سيخبركم بذلك.

الحالة -إن شاء الله- واضحة، وعلاجها ممكن جدًّا -إن شاء الله تعالى-، لكن قوموا الآن بإبلاغ الطبيب مباشرة بمحاولة الانتحار التي حدثت عن طريق الغرق؛ إذ أن وسائل الانتحار العنيفة مثل: الغرق، أو السقوط من ارتفاع، أو إطلاق الرصاص على النفس، أو رمي النفس أمام سيارة، أو شيء من هذا القبيل، هذه تدل عادة على معاناة نفسية شديدة، لا يقدم عليها إلَّا إنسان يكون فعلًا متألِّمًا نفسيًّا.

الحمد لله أن والدتكم نجت من هذا الحادث وقتل نفسها، ونسأل الله ألَّا يتكرر هذا أبدًا، وقطعًا -بإذن الله- ستساعد التدخلات العلاجية التي سيقررها الطبيب في تحسين حالتها كثيرًا.

بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً