السؤال
السلام عليكم
والدي إنسان ظالم, لم أشعر بالحب أو بالأبوة تجاهه طوال حياتي، ونحن في مشاكل معه طوال حياتنا، بسبب زوجته الثانية وأبنائه منها، ولا يصرف على بيتنا، وأحيانا يمر شهران أو ثلاثة لا نراه فيها، ولا يسأل عنا، والكلام السيء عنه كثير، ولا أريد الإطالة هنا، ولكن باختصار لو حصل وتوفي، فأنا متأكدة أنني لن أحزن عليه.
بعد زواجي حدثت مشكلة بيني وبين زوجته، وكالعادة لم يحادثني في الموضوع، ولم يسألني عن المشكلة، ولكن وقف بصفها وقاطعني ورفض السلام علي، أو حتى الرد علي في التلفون، وإذا علم أنني موجودة في المنزل لا يأتي، حاولت أمي وإخوتي توضيح موقفي، ولكن وصفني بالكذب مع وجود شهود من أقاربنا، ولكن أيضا رفض الحديث معهم أو سؤالهم.
مضى على هذا الحال قرابة سنة ونصف إلى سنتين، حاولت الاتصال به والسلام عليه وإرسال الرسائل لتهنئته في كل مناسبة، وإرسال أخباري له بين فترة وفترة، ولكن ما من مجيب، لم أفعل ذلك حبا فيه أو طمعا في قربه، ولكن خوفا من الله وعقابه، وبعد كل هذا هل أعتبر عاقة أو قاطعة رحم؟ الرجاء عدم اقتراح الذهاب له والتحدث معه، وذلك لأنه يعيش مع زوجته الثانية، ولا أستطيع دخول بيتها بعد الذي حدث بيننا، أو السماح له بإهانتي أمامها وأمام أبنائها.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يهديك لأرشد أمرك.
نحن نتفهم -أيتها الأخت العزيزة- ما تعيشينه من مشاعر نتيجة تقصير والدك في بعض ما ينبغي أن يفعله معك من الحنان والرحمة ونحو ذلك، ولكن كل هذا لا يبرر أبدا ما وصلت إليه من الجفاء والقطيعة مع والدك.
أما حب هذا الأب، فإن مما يبعث عليه ويعينك على تحصيله في قلبك أن تتذكري إحسانه إليك، فإن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، والله تعالى يقول: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}، وقد أحسن إليك هذا الأب إحسانا بالغا، فلا يصح أبدا عقلا ولا طبعا سليما أن تتناسي هذا الفضل والإحسان، لقد كان هذا الأب سببا في وجودك في هذه الدنيا، وتكفل بحاجاتك، ورعاك أثناء فقرك وصغرك، فهل من العقل بعد ذلك أن تغفلي عن هذا كله وتسقطي هذا الإحسان كله بما بدر منه من إساءة، إن سلمنا أن هناك إساءة.
لا شك - أيتها البنت الكريمة والأخت العزيزة – أن هذا خلاف العدل والإحسان، ولهذا المعنى أمر الله -تعالى- بمصاحبة الوالدين بالإحسان مهما بلغت أذيتهما للولد، فقد قال سبحانه في كتابه الكريم: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا} فمع هذه الحالة البليغة في الإساءة إلى الابن والمجاهدة له على أن يكفر بالله فيكون من أصحاب النار، مع كل هذا أمر الله -تعالى- بمصاحبتهما بالمعروف {وصاحبهما في الدنيا معروفا}.
لا شك أن فضائل الأب عليك كثيرة، وإحسانه إليك وفير، وإذا رجعت إلى نفسك في لحظة هدوء وإنصاف وتفكرت في شؤونك منذ أن كنت نطفة ثم علقة، وما تفضل به هذا الأب وقدمه إليك من إحسان، لا شك أنك ستجدين نفسك مغمورة في إحسان هذا الأب، وإن أصابه ما أصابه من التقصير أو الإساءة.
نحن لا نبرر للأب أن يسيء وأن يقصر، ولكننا نذكرك بحقه عليك الذي يمنعك من التقصير في حقه عليك.
إذا علمت هذا - أيتها البنت الكريمة والأخت العزيزة – فينبغي أن تبذلي ما في وسعك في استرضاء والدك، واعلمي أن النبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: (رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد) وهذا ما لم يأمرك هذا الوالد بمعصية أو حرام، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ابذلي ما في وسعك مما يعرفه الناس ويألفونه من صلة الولد بوالده، فإذا فعلت ذلك وأصر الأب على موقفه من القطيعة والهجر فالإثم عليه، أما أنت فتكونين قد برأت ذمتك، واحذري من أن تعاملي والدك بالمكافأة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: (ليس الواصل بالمكافىء، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها) أو كما قال - عليه الصلاة والسلام -.
كلفي نفسك وأرغمي هواك في أن تزوري والدك وتحاولي طلب رضاه ومسامحته، وإن كان هو المسيء، فإن هذه الكلمات التي ستسفر منك ستؤثر في نفسه لا محالة، وقد قال الله تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}. فإذا كانت الكلمة الطيبة تقلب العدو صديقا حميما فكيف ستفعل بالأب؟!
نحن نقترح عليك ما أردت منا ألا نقترحه، ونعلم يقينا - أيتها البنت الكريمة – أن في ذلك الدواء الحقيقي لهذه المشكلة.
نسأل الله -تعالى- أن يتولى عونك ويأخذ بيدك إلى كل خير.