السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
لماذا لا يجوز الدعاء على الوالد إذا كان لم يحمل ولم يلد ولم يرب، ولم يصرف، ولم يقدم لأبنائه سوى الظلم والتفرقة طوال حياتهم؟ ولماذا يجب بر هذا الوالد وهو لم يبر أبناءه في صغرهم؟ وهل يجب بره فقط من أجل أنه كان سبب وجودنا بعد الله؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يهديك لأرشد الأمور، وأن يأخذ بيدك إلى كل خير، وأن يرينا وإياك الحق حقا ويرزقنا اتباعه.
لا شك - أيتها البنت الكريمة – أن تقصير الأب في رعاية أبنائه والقيام بشؤونهم وهم صغار وإحسان تربيتهم، لا شك أن تقصيره في هذا كله إساءة منه، وتضييع للواجب الذي فرضه الله تعالى عليه، والله عز وجل سائله عن ذلك ومحاسبه، فـ (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت) كما قال النبي (ﷺ) و(الرجل راع ومسؤول عن رعيته)، كما جاء في الحديث الآخر، و(إن الله سائل كل راع عما استرعاه، حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته).
هذا كله لا يبرر بحال من الأحوال جحود ما له من الحق والفضل، وما له من البر والإحسان الذي على ولده، والله تعالى قرن حق الوالد بحقه هو سبحانه في آيات عديدة، فقال سبحانه: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا} [النساء: 36]، {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} [الإسراء: 23]، {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا} [الأنعام: 151].
فلا شك أن الأب له إحسان سابق إلى أبنائه وبناته، فإنه المتسبب في إيجادهم في هذه الحياة، وهذا التسبب مفتاح كل خير أصابهم في هذه الحياة، وهو مفتاح أيضا لكل خير يصيبهم بعد مماتهم من دخولهم الجنة وتنعمهم فيها، إلى غير ذلك مما ينالهم من خير الله تعالى وعطائه إذا أحسنوا العمل في هذه الدنيا، فكيف ينكر هذا الفضل ويجحد، والله تعالى يقول لنا: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرحمن: 60]
وغير صحيح أن الأب لم يحمل، فإنه حمل هذا الإنسان في ظهره، وهو مني، ومن هذا المني خلقه الله تعالى، ولا ينقص هذا الإحسان من الأب كونه يجد لذة طبيعية، فإن الله تعالى خلق هذه الغريزة في الناس ولولاها لما اختاروا الزواج ولما اختاروا تحمل هذه التبعيات والمسؤوليات، ولكن الله تعالى بعلمه وحكمته ورحمته ركب في الناس هذه الغرائز لتكون دافعا لهم لتحصيل النسل، فلا ينقطع النسل على هذه الأرض.
الخلاصة - أيتها البنت الكريمة – أن الأب مهما أساء فإنه قد سبق له الإحسان، والعاقل يعلم أن الإحسان لا ينبغي أن يترك لمجرد الإساءة، وأن الإنسان يحسب له وما عليه، والله عز وجل تكفل بمحاسبة كل إنسان ومجازاته على عمله، فدعي ما كان من تقصير من أبيك إلى الله تعالى، وأدي أنت ما عليك لهذا الأب، وبذلك تظفرين بالخير كله، وتفوزين بسعادة الدنيا والآخرة.
احذري كل الحذر من تلاعب الشيطان بك، وأن يسوغ لك قطيعة الأب وعقوقه تحت هذه المبررات، وقد أمر الله -تعالى- بالإحسان إلى الوالد مهما بلغت إساءته، فقال سبحانه: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا} [لقمان: 15]، فالمصاحبة بالمعروف والإحسان والبر وأداء الحقوق من الولد لوالده أمر لازم، ولا يبرر التفريط فيه إساءة الأب.
نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته أن يأخذ بيدك إلى كل خير.