السؤال
السلام عليكم
أنا وأخوتي في مشاكل يومية مع أبي، علاقتنا به سطحية، ولا نتكلم معه إلا قليلا، نتجنبه كثيرا، مع العلم أنه متدين ونحن كذلك، إلا أننا نضطر للشجار معه يوميا لأسباب تافهة، فقبل زواجي كان يستفزني يوميا طمعا في راتبي، مدعيا أنه لن يدعو لي بخير إلا إذا أعطيته المال، مع العلم أنه صار يقصر في مصروف البيت، ويمنع عنا أشياء كثيرة، مع العلم أنني أساهم في مصروف البيت بقسط كبير.
وهو كثير الدعاء علينا، حتى أننا صرنا لا نتمالك أنفسنا ونتشاجر معه، ووصل به الأمر أن يضربني ويعايرني بالعنوسة.
ونظرا لهذه المشاكل، وافقت على الزواج من شاب غير متدين، هربا مما رأيته من أبي المتدين، وطلقت منه بعد 5 شهور، ورجعت لمنزل أبي وللمشاكل معه، وزاد خناقه وضغطه علي أكثر، صار يمنع عنا أشياء كثيرة كالمكيفات الهوائية والأكل، مع أنني لم أقصر والله في المصروف، بل صار جله علي، كما أصبح يستهزئ بي ويلقبني بالمطلقة، ويهددني من أجل المال، وأنه سيخبر الناس عني أنني عاقة وغير ذلك، بماذا تنصحونني؟
أرجوكم، لم يكفه طلاقي، بل ويسخر مني، أنا خائفة أن يكون طلاقي سببه دعاؤه علي.
ولكم الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ hanine حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في موقعك إسلام ويب، ونحن سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يبارك في عمرك وأن يرزقك عمل الخير وخير العمل،
وبخصوص ما ورد في رسالتك، فإننا نحب أن نجيبك من خلال النقاط التالية:
أولا: إننا نستشعر جيدا ما أنت فيه من ضيق وهم وألم، وندرك أن هذا الضيق والهم هو الذي جعلك لا تبصرين أي إيجابية في والدك تجاهك، مع أنه رجل متدين، لكنك -أختنا- نظرت إلي سلبيته فعظمت في عينك حتى نسيت معها كل شيء يحسب له.
ثانيا: اعلمي -أختنا الفاضلة- أننا نعيش في هذه الحياة الدنيا وهي مجبولة على الكدر والابتلاء، وأي زعم بأن بيتا خاليا من المشاكل هو قول نظري لا صلة له بالواقع، فما من بيت إلا وفيه هم أو غم، أو مشاكل من أي نوع، تلك -أختنا- طبيعة الحياة التي أوجدنا الله فيها:
جبلت على كدر وأنت تريدها *** صفوا من الأقدار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها *** متطلب في الماء جذوة نار
فالعيش نوم والمنية يقظة *** والمرء بينهما خيال سار
وإذا رجوت المستحيل فإنما *** تبني الرجاء على شفير هار
وعليك أن تدركي أنه ليس ثمة أحد في الحياة ناج من ذلك، لكن البلاء يتنوع من حال إلى حال، فمن الناس من يبتلى بالمرض، ومنهم من يبتلى بالفقر، ومنهم من يبتلى بالزوج، ومنهم من يبتلى بالتضييق عليه، المهم أن كل فرد يأخذ قدرا من البلاء، والملاحظ أن الجميع يعتقد -كل على حده- أن بلاءه أكبر وأشد وأشق وأعظم بلاء، لكنه إذا رأى بعين الحقيقة عظم ما يقع فيه الناس، لهان عليه مصابه، هذا لا يعني -أختنا- أن ترضي بالألم والواقع دون تغيير، لا أبدا، بل عليك الاجتهاد في التغيير وعدم اليأس.
ثالثا: كل سلوك تربوي خاطىء نحن لا نوافق عليه، لكن هناك حقيقة يجب أن لا نغفل عنها، ويجب عليك أن تنتبهي لها، وهي أن: الحب الأبوي حب فطري، لا يملك الوالد من الأمر فيه شيئا، الله فطره على محبتك بلا مقابل، وكل الصفات السلبية -أختنا- لا تغير تلك الحقيقة، نكرر -يا أختنا- أن والدك سيبقي والدك وإن أخطأ، وإن واجب الدعاء له يبقى دينا في عنقك له، وإن طاعته في غير معصية له فرض عليك، ولن تسألي يوم القيامة عن أخطاء لم تفعليها، وجرائم لم ترتكبيها، إنما ستحاسبين على ما اقترفته يداك.
رابعا: قد ذكرت -أختنا الفاضلة- تدينك، وهذا أمر يحمد لك ويحسب عليك، لأنه يفرض عليك مزيدا من الود والتقرب إلى والدك.
خامسا: لا ننكر -أختنا- أن النظرة التشاؤمية التي أصابتك أعمت عينك عن بعض الفضائل، فلا شك أن لأبيك محاسن، ولكن تضخم هذا العيب عندك حتى صرت لا ترين فضيلة فيه، هو الذي أصابك بما ذكرت في رسالتك.
سادسا: لوالدك أصدقاء كثر ولا شك أن من بينهم عاقل متدين يحبه والدك، يمكن لهذا الرجل أن يلعب دورا رئيسا في حياته، كما يمكن لشيخ المسجد الذي يحترمه أبوك أن يشارك في هذا التغيير.
سابعا: أما موضوع الدعاء عليك، أو أن يكون الطلاق بسبب ذلك، فأمر مستبعد -أختنا الفاضلة-، فالوالد يقول بلسانه ما ينكره بقلبه، فلا تقلقي من هذا الجانب، سيما إذا أديت ما عليك من حق تجاه والدك.
نريدك -أختنا- أن تجتمعوا مع الوالد على المحبة والود، وثقوا بأنه من داخله يحبكم، فهذا أمر هو مجبول عليه، اجلسوا معه وحاوروه وحدثوه، وأظهروا له حبكم، وحرصكم عليه، وستجدون من وراء ذلك الخير الكثير.
وأخيرا -أختنا -عليك بالدعاء لله -عز وجل- أن يشرح صدره، وأن يهدي قلبه، وأن يعينكم على بره.
والله الموفق.