السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
لدي مشكلة نفسية وصراع داخلي، عندما أخلو بنفسي تبدأ الأفكار والظنون يمنة ويسرة، تارة سوء ظن بالناس، وتارة حقد على أشخاص لأول مرة، وتأتيني أفكار بأن الناس كلهم أعدائي، ولا أحد يحبني، ولا أحد يشعر بي، وكأني أريد من الناس أن يحزنوا مثلي، وإذا بي أراهم يضحكون ولا يشاركونني حزني، وبعضهم يلومني على حزني، لا أعلم ماذا حدث لي، أكره تلك المشاعر، ولا أحب أن أكون كذلك.
أقترب من الله فجأة وأشعر بلذة العبادة، وفجأة أبتعد دون سبب، ومع رغبتي الشديدة في الاستمرار من القرب من الله وقراءة القرآن أجد شيئا يبعدني. وأحيانا أقول في نفسي ربما فعلت ذنبا يبعدني عن ربي، وأشعر بمشاعر أعاني منها كثيرا، وأعاني الوحدة والحرمان العاطفي، ولا أعرف كيف أتخلص منها، وكيف أستعيد ابتسامتي وفرحي بدون حاجتي لأحد؟
أنا في الحقيقة فقدت أمي قبل تسعة أشهر، وانفصلت عن زوجي قبل خمسة أشهر برغبة وطلب مني، وأشعر أني أحيانا أفعل أفعالا وأرتكب أخطاء لا أرضاها لو كنت في كامل عقلي! لا أعرف ماذا يحدث لي، وحتى وأنا في مكان أحبه أحيانا لا أشعر بسعادة ولا فرح، كأني أصبت بالتبلد في مشاعري!
غالبا تعتريني رغبة في البقاء في غرفتي واعتزال الناس، وتأتي علي أوقات أكره فيها غرفتي، ولا أدخل غرفتي إلا للنوم فقط، وأوقات أشعر بكره كل شيء في بيتنا، وأرغب في الخروج منه، كأني أختنق من وجودي فيه.
وكذلك أعاني من الأرق، وقلة النوم؛ بسبب كثرة التفكير، فأمي احتضرت أمامي وأنا من قام بتغسيلها وتكفينها، وكنت قوية أمام الجميع، والآن أنا منهارة في داخلي، وأرغب في البكاء بأعلى صوتي لكني لا أستطيع، فقط أتألم بشدة، ذكريات احتضارها ترافقني في كل حين وكل وقت، وكل ذلك يؤلم قلبي، لا أستطيع أن أنسى ما حدث.
أقول أحيانا ربما يكون هذا مرضا وراثيا؛ لأن أبي يعاني من الاكتئاب، وقد مرت عليه فترة يستخدم فيها أدوية نفسية، أخشى أن تستمر حالتي هذه مع الكل، وتمنعني من أن أكون حياة جديدة.
تقدم لخطبتي شخص ولديه أبناء من زوجة قبلي، وأنا خائفة من ألا أستطيع التعايش معه أو تربية أبنائه، كل ما يدفعني لقبوله والموافقة عليه شعوري بالوحدة، ورغبتي بمن يقف بجانبي ويشعرني بالأمان والحنان، وأخشى أن أندم على ذلك..أريد حلا.
ساعدوني؛ فأنا لا أعرف ما الذي يجري لي، وهل أنا مريضة نفسيا وأحتاج للدواء؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ دنيا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في استشارات إسلام ويب، ونتمنى لك دوام الصحة والعافية.
أولا: مزاج الإنسان - أختي الكريمة - معرض للتقلب والتغيير وفقا للظروف والحوادث التي يمر بها في حياته اليومية، وهكذا أحيانا يصبح منشرح الصدر ومسرورا، وبالتالي يتعامل مع الآخرين بروح الفكاهة والضحك، وقد يكون منقبض الصدر متكدرا، وأقل فاعلية وتفاعلا مع الآخرين، وهذا قد يكون شيئا طبيعيا يمر به معظم الناس، ولكن إذا زادت هذه الحالة عن الحد المعقول وأصبحت ملازمة لصاحبها لعدة أشهر فالأمر يتطلب تدخلا علاجيا.
والمؤمن في كل الأحوال يبتلى ويمتحن في ماله، وفي نفسه وفي صحته، ويبتلى في من يحب من أهله، فاعتبري ما مررت به نوعا من أنواع الابتلاءات، وهو كذلك، قال الله تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة: 155-157]، فهذا نوع من الابتلاء ينبغي الصبر عليه ولك الجزاء الأعظم -إن شاء الله- ولا ينبغي مقابلته باليأس والقنوط من رحمة الله، ومتابعة خطوات الشيطان التي تؤدي إلى خسران الدنيا والآخرة.
ونرشدك ببعض الإرشادات لعلها أن تفيدك في الخروج من المشكلة، وهي:
1- الإكثار من فعل الطاعات والاستغفار؛ فإنه مزيل للهم، والحزن، ومجلب للسعادة إن شاء الله. وكذلك تجنبي فعل المنكرات والابتعاد عنها، فالذنوب تسبب الضيق والضنك والتعاسة، واعلمي أن الله غفور رحيم، وأنه يغفر الذنوب جميعا.
2- لا تهتمي بما فاتك من أمور الدنيا، ولا تنظري لما عند الآخرين، وتذكري أن الله تعالى هو المانع والمعطي، واعلمي أن ما يقدره الله هو الخير، {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: 216].
3- ركزي على الحاضر واستمتعي به، وانسي الماضي وما فيه من تجارب مؤلمة، وتطلعي للمستقبل، وابتعدي عن التشاؤم، وكوني متفائلة دائما، واستبشري الخير تجدينه.
4- اجلسي مع نفسك وحاولي اكتشاف سبب الضيق الذي أنت فيه، واسألي نفسك: ما السبب في كل الأحداث التي جرت حولك؟ وما هو دورك الآن؟ وتذكري أن الدعاء سلاح المؤمن، وفوضي أمرك - لله سبحانه وتعالى - فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف الضر.
5- لا تستسلمي للمشاعر والأفكار السلبية، بل قابليها بالأفكار الإيجابية والمنطقية، وحاولي مراجعة كل الأفكار السلبية التي سيطرت عليك، وتوقعت فيها حدوث خطر يصيبك أو مكروه يأتيك، كم منها تحقق بالفعل؟
6- أكثري من قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم) ومن قول: (حسبي الله ونعم الوكيل) فإن الله تعالى يقول بعدها: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم} [آل عمران: 174].
7- اعلمي أن الإنسان خلق ليعبد الله في هذه الدنيا، وليعمر هذه الأرض، فإذا توقعنا وتصورنا الموت بالصورة المرضية - كما تتصورين - لتوقفت كل النشاطات التي نمارسها في الحياة؛ فلا تعليم، ولا عمل، ولا زواج، ولا إنجاب، فقط نكون في انتظار الموت ولن نحرك ساكنا، والمؤمن ينبغي عليه أن يسخر كل عاداته ونشاطاته وممارساته الحياتية في هذه الدنيا لخدمة الدين، فتصبح العادة عبادة، وبالتالي يكون قد حقق ما خلق من أجله.
8- خوفك من موضوع الزواج ربما لا يكون له مبرر، إنما هو توقعات كاذبة، لذلك لا تكترثي لها، بل فكري في الزواج على أنه إكمال لنصف الدين، وأنه مصدر للسعادة والمودة والرحمة، وسبب في الذرية الصالحة إن شاء الله.
9- كرري الاستخارة عدة مرات فإنها تجلب لك الخير - إن شاء الله - وتطمئنك عليه؛ لأن في الاستخارة تفويض الأمر لله، وفيها سؤال الله تعالى أن يختار، وكان النبي (ﷺ) يعلمها الصحابة كما يعلمهم السورة من القرآن.
10- قومي بممارسة تمارين الاسترخاء في حالة الضيق أو التوتر الشديد الناتج عن الأفكار السلبية، وتجدين تفاصيلها في الاستشارة رقم: (2136015).
نسأل الله تعالى لك الخير.