السؤال
السلام عليكم
أبي رجل حنون، ولكنه صعيدي، عصبي جدا، غضبه ملازم له منذ كنا صغارا، يضربنا، ولكن عندما كبرنا قل غضبه كثيرا، ولكنه أيضا يضربني.
أنا مهندسة، أدرس بالجامعة، وهم أعطوني محمولا -لاب توب- غاليا جدا، فكان النور مقطوعا، فسقط على المحمول شاي فأتلفه، فضربني أبي وخاصمني، وأصبحت عندي عقدة من الضرب؛ فإنه يصيبني بالاختناق، وعندما يحكى الأمر حتى ولو على سبيل المزاح قد أبكي.
ذهبت لكي أصالحه، فأعرض عني، وأخاف أن أموت أو يموت، ماذا أفعل؟
أحسن الله إليكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أروى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه لسيرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله -جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى- أن يوفقك في دراستك، وأن يصلح ما بينك وبين والدك، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة.
وبخصوص ما ورد برسالتك –أختي الكريمة الفاضلة–، فإننا -مع الأسف الشديد- نجد أن معظم الآباء والأمهات في تصرفاتهم يكونون ضحايا لتربية تعرضوا لها منذ صغرهم ونعومة أظفارهم، فالمعروف عن أهل الصعيد أنهم فعلا يتمتعون بقدر كبير من العصبية والشدة، ولا يتفاهمون إلا قليلا أو نادرا، وأنهم يستعملون أساليب عنيفة؛ نتيجة التربية التي نشؤوا عليها والبيئة التي تربوا فيها.
ولذلك فوالدك معذور -حقيقة- في هذه التصرفات التي أحيانا لا نجد لها مبررا، وكان من الممكن أن تعالج الأمور بكلمة توبيخ أو كلمة عتاب أو تأنيب، لكنهم لا يعرفون هذا التدرج في التوجيه، أو حتى في التأديب، وإنما يرون أنه لا وسيلة أفضل عندهم من الضرب، وهذا كما ذكرت هو الموروث الذي لديهم والذي تعلموه، فلعل والدك هذا قد تعرض مئات المرات لمثل الذي يفعله معكم أنتم الآن، ووالدك الآن يعتبر صورة مخففة؛ لأن هناك أناسا يضربون ضربا مبرحا يؤدي إلى الموت –والعياذ بالله تعالى– وقد يكسرون العظام، أو يسببون بعض العاهات عند غضبهم، ولا يفرقون ولا يعرفون شيئا ولا ينضبطون تحت قاعدة.
ولذلك ليس أمامنا -حقيقة- إلا الصبر الجميل، والدعاء لهم بصلاح الحال، وأن يغفر الله لهم هذه التجاوزات، فوالدك ضحية –ابنتي الكريمة الفاضلة– لتربية هذا هو شأنها، وتلك كانت طبيعتها، ومن الصعب جدا -حقيقة- أن نطلب منه أن يتغير أو يغير من أسلوبه؛ لأن مجرد التفاهم في هذه المسائل يعتبر أيضا مشكلة أخرى وجريمة كبرى.
فعليك بالصبر، وكما ذكرت لك بالدعاء له، أن الله يرزقه اللطف، ويرزقه الرحمة والحلم والأناة، حتى يخفف على الأقل من هذه الحدة ومن هذه العصبية التي قد تدمر وهو لا يدري أو لا ينظر في عواقب الأمور.
أنت الآن طالبة جامعية وتدرسين الهندسة، ومما لا شك فيه أنه سعيد بك جدا، وأنه يحبك حبا جما، وأنه يتمنى لك أن تكوني أفضل طالبة في العالم كله، وأن تكوني أسعد إنسانة في الدنيا كلها، ولكن هذه الأمنيات محفوفة أيضا بقدر من المخاطر وهي الآثار الموروثة في التربية.
فكونك حاولت مصالحته إلا أنه لم يقبل، أرى أن هذا ليس معناه الغضب أو عدم الرضا، وإنما هو زعل مؤقت، وحاولي مرة ومرة ومرة، وحاولي أن تقبلي رأسه، وأن تقبلي يده، وبذلك نستطيع أن نكسر حاجز البرود الموجود الآن، ولا مانع أن تعتذري له أيضا اعتذارا صريحا، وأن تعاهديه أنك لن تعودي لمثل هذا مرة أخرى، عسى الله تبارك وتعالى أن يصلح ما بينك وبينه، إن قبل منك هذا فهذا هو المرجو، وإذا لم يقبل فقد أديت الذي عليك، ولكن ليس معناه التوقف عن تكرار المحاولة، وإنما نحاول مرة ومرة؛ لأن كثرة الطرق على الأبواب تفتحها.
أسأل الله -تعالى- أن يصلح ما بينك وبين والدك، وأن يمن عليه بسعة الصدر والحلم والأناة، وأن يعافيه من هذه العصبية الجاهلية، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.