السؤال
السلام عليكم
أكثر ما يضايقني أنني عندما أدعو الله في أمر ويحققه لي، فإن تلك الفرحة تنسيني أن أشكر الله ، فرحة حصولي علي ما أريد تأخذني حتى من نفسي، حتى أنني أقوم بتأجيل صلاتي بسبب انشغالي بتلك الفرحة.
كيف أوفق بين فرحتي، وشكر ربي وعدم نكران فضله للحصول على تلك النعمة؟
وجزاكم الله عنا خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رغد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي وقت، ونسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به.
وبخصوص ما تفضلت به من أن الفرح ينسيك شكر المنعم عليك، فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: السؤال الذي تفضلت بطرحه -أختنا الفاضلة- هو أمر له دلالته، فهو يعني أن ألما وحرقة وجدت لها أثرا في قلبك جراء نسيانك شكر المنعم على ما أنعم به عليك، وهذا أمر تحمدي الله عليه؛ لأنه يدل على أن الله حباك بالنفس اللوامة، وهي التي تلوم نفسها عند المعصية أو الغفلة.
ثانيا: تذكري -أختنا- أن بعض الناس لا يذكرون الله إلا إذا وقعوا في البلاء، وأحاط بهم الكرب والهم، ساعتها يتذكرون ربهم وينادونه سرا وجهرا، ذكر الله هذا السلوك فقال عنهم: { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه}، وقد أورد ابن كثير أن عكرمة بن أبي جهل لما ذهب فارا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حين فتح مكة هاربا، ركب في البحر ليدخل الحبشة، فجاءتهم ريح عاصفة، فقال القوم بعضهم لبعض: إنه لا يغني عنكم إلا أن تدعو الله وحده، فقال عكرمة في نفسه، والله إن كان لا ينفع في البحر غيره فإنه لا ينفع في البر غيره، اللهم لك علي عهد لئن أخرجتني منه لأذهبن فلأضعن يدي في يد محمد فلأجدنه رؤوفا رحيما، فخرجوا من البحر، فرجع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلم وحسن إسلامه -رضي الله عنه وأرضاه-.
وقوله تعالى: { فلما نجاكم إلى البر أعرضتم}، أي نسيتم ما عرفتم من توحيده في البحر، وأعرضتم عن دعائه وحده لا شريك له، { وكان الإنسان كفورا}، أي سجيته هذا الفعل، أي أنه ينسى النعم ويجحدها إلا من عصم الله، وهنا نسألك -أختنا الكريمة- أيعقل أن يكون اللجوء إلى الله في الضراء دون السراء؟ إنا نربا بك أن تكوني من هذا الصنف.
ثالثا: يعينك على شكر الله -عز وجل- دوما معرفة فضل الشكر وخطر تركه، ويكفيك أن تعلمي أن الشكر قيد للنعم، كما قال عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-: "قيدوا النعم بالشكر"، وقد أخذ ذلك من قوله تعالى: (ولئن شكرتم لأزيدنكم)، فالاعتراف بالنعم ومن أنعم بها وشكره سبب لبقائها وزيادتها كما قال بعض الأدباء: قيدوا النعم بالشكر فإنها كالنعم لها أوابد، أي تشرد وتنفر، كما في الصحيحين من حديث أبي رافع (إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش).
وقد قال تعالى: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}، قال أبو حازم الأعرج التابعي الجليل - رحمه الله -: كل نعمة لم يشكر الله عليها فهي بلية، وقال أيضا: إذا رأيت الله يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فإنما هو استدراج، فاحذره، فقد قال تعالى: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}.
وقال تعالى: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون}، وقال تعالى: {اعملوا آل داود شكرا}، قال ابن الجوزي المعنى، وقلنا: اعملوا بطاعة الله شكرا على ما آتاكم، ونقل ابن عبد البر عن بعض أهل العلم قولهم: الطاعات كلها شكر، وأفضل الشكر الحمد، ومن أجمل ما قاله الشاعر أبو بجيلة:
شكرتك إن الشكر حبل من التقى ... وما كل من أوليته نعمة يقضي
وأحييت من ذكري وما كنت خاملا ... ولكن بعض الذكر أنبه من بعض
وعليه كلما ازددت لله شكرا كلما زادت النعم وقيدت لك، ومعرفة ذلك يشجعك على الحمد والشكر.
رابعا: إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم، هذا نص حديث لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والمعني أن الأمور التي صعبت عليك ووجدت مشقة في ذكرها، تحتاج إلى تعود وتكرار، ونحن ندعوك إلى ترديد الشكر على لسانك، اجعليه في كل خير تجديه، وإذا أنعم الله عليك ونسيت الشكر فبادري حين تذكرينه فورا، واجتهدي في التعود على ذلك وستجدين الخير -إن شاء الله-.
خامسا: عليك بالدعاء -أختنا الكريمة-، واعلمي أن الدعاء سهم صائب، خاصة إذا كان في جوف الليل .
نسأل الله أن يمن عليك بشكره، وأن يبارك فيك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، والله الموفق.