السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا فتاة أبلغ من العمر 38 عاما، أشعر باليأس والإحباط الشديدين، لدرجة النفور والهروب من الواقع ومن كل شيء، ومشكلتي تكمن في عدم القدرة على التحمل، وعدم الرضا، واليأس، والغضب السريع، ومشكلتي الأكبر هي طول الأمل، والتعلق بالوعود، وأنا أقصد هنا الوعود الإلهية، فأنا أعلم جيدا بأن الله هو القادر وحده، ولكني أشعر بعدم التمسك والتشبث، وعدم القدرة على التحمل للنهاية، بمعنى أنني أعرف بأن المظلوم سيأتيه حقه، ولكن طالت المدة، لدرجة أنه نفذ صبري، وأن دعواتي غير مستجابة على الظالم الذي آذاني في حياتي وعملي وسمعتي، لأكثر من سبع سنوات وأنا أدعو عليه لما تسبب به من انهيار لحياتي الاجتماعية والأسرية والعملية وسمعتي.
أنا أشعر باليأس، وعدم القدرة على تجاوز المحنة، فها أنا أقوم أبكي ليلا لدرجة الإرهاق، وأدعو وأصلي وأثق بأن الفرج قريب، وبأنه سيكون اليوم، وأستمر على هذه الحال أياما، وكل يوم أقول اليوم سينتهي كل شيء -بإذن الله-، وأعيش يومي على أنه سيكون هذا يوم الفرج، ولكن أنصدم بواقع بأن الأمور تزداد صعوبة، وأن الظلم لا ينتهي.
أنا أحب الله، وأحب ديني، وأستغفر الله آلاف المرات، وأقرأ أذكاري وقرآني، ولكن حياتي صعبة، وأموري معقدة، ولا تأتي الرياح بما تشتهي السفن في كل مجالات حياتي.
ومما يزيد إحباطي هو أنني ما دعوت الله بشيء فإنه لا يتحقق إلا في حالة الحاجة الشديدة فقط، وتكون فقط بحجم حاجتي تماما، فأنا أشعر بالفشل واليأس، وأخاف أن أدعو الله بالموت وتستجاب هذه الدعوة، وأجد ضيقا شديدا في رزقي، مشكلتي هي أنني أثق اليوم وغدا وبعد غد بأن الأمور ستتغير، ولكن أجدها منذ سنوات على نفس الحال.
ومما يحبطني أكثر بالرغم من بذلي للكثير من المجهود لحصول مراد ما؛ إلا أنه لا أصل للنهاية أبدا، وفي حالة أنها اكتملت؛ تنتهي بمشكلة، أو بعدم حصول المراد، أو يكون طريقها صعبا جدا جدا لدرجة الإرهاق التام، وتكون فقط على قدر حاجتي لحل مشكلة مؤقتة فقط.
أشعر بأن حياتي لن تتغير، ولن أستطيع إنجاز أي من الأشياء، وأعيش في كابوس من الظلم والواقع المرير، وأنانية البشر، وأني مهمشة، وكلما ازداد العمر تبعثرت أحلامي وأمنياتي كأوراق الخريف، وتحطمت على صخرة الأمل بالغد الذي لا يأتي أبدا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ وسام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك في موقعك، ونشكر لك الاهتمام والسؤال، ونتمنى أن يستمر التضرع والابتهال، ونسأل الله أن يعجل بالفرج وصلاح الأحوال، وأن يجعلنا ممن يرضى بما يقدره القدير المتعال، وأن يحقق في طاعته الآمال.
وأرجو أن تعلمي أن مجرد الدعاء عبادة، وأنه ما من مؤمنة ترفع يدها إلى الله إلا أعطاها الكريم إحدى ثلاث:
- إما أن يستجيب الله دعوتها.
- وأما أن يدخر لها من الأجر مثله.
- وإما أن يدفع عنها من البلاء والشر مثله.
وهذه بشرى لك ولأهل الإيمان فلا تتوقفي ولا تيأسي، وإليك أيضا بشارة أخرى، وهى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل)، قيل يا رسول الله، وما الاستعجال؟ قال: (يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجب لي، فيستحسر ويترك الدعاء).
ولا يفرح بمثل هذا إلا عدونا الشيطان الذي همه أن يوصلنا إلى الإحباط واليأس، وهمه أن يحزن أهل الإيمان، وليس بضارهم شيئا إلا بما يقدره مالك الأكوان.
ورحم الله الإمام ابن الجوزي صاحب زاد المسير، وصاحب المؤلف النفيس الموسوم بتلبيس إبليس، عندما وصف لنا أدب السلف حيث قال: كانوا يسألون الله، فإن أعطاهم شكروه، وإن لم يعطهم كانوا بالمنع راضين، يرجع أحدهم بالملامة على نفسه فيقول: مثلك لا يجاب، أو لعل المصلحة في أن لا أجاب، فانتبهي لما ذكر، واعلمي أنك الآن في طاعة، ونخشى أن تتوقفي إذا جاءتك الإجابة، ونتمنى أن لا تعترضي وتتضجري على تأخر الإجابة على الوجه الذي ترغبين فيه، واعلمي أن ما يختاره لك العظيم أفضل من اختيارك لنفسك، ولا خوف على المظلوم، إنما الخوف على الظالم، وربنا العظيم وعد المظلوم بالانتصار ولو بعد حين، فهو سبحانه يمهل ولا يهمل، وهو سبحانه يملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
وتذكري مقولة الفاروق عمر رضي الله عنه: " أنا لا أحمل هم الإجابة، ولكن أحمل هم السؤال، لأن الله تكفل بالإجابة".
ونكرر لك الوصية بتجنب الاستعجال، وبالتعوذ بالله من الاعتراض والإدلال على الله، وتوجهي إلى الله بيقين، وبقلب حاضر، وقدمي بين يدي دعائك الثناء على الله، ثم صلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم ارفعي حاجتك، ثم اختمي بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
نسأل الله أن يوفقك، ويسدد خطاك، ويحقق لك مناك.
نسعد بتواصلك مع موقعك، ونوصيك بتقوى الله وذكره وشكره.