هل الغربة أفضل أم البقاء بين الأهل مع قلة ذات اليد؟

0 438

السؤال

هل تفضل الغربة في ظل وضع مادي صعب، بالرغم من الصعوبات والمشاكل التي يواجهها الإنسان في الغربة؟ أم الرضا بالقليل في مصر، بالرغم من أن الوضع المادي سيكون بسيطا جدا، ولكن سيكون في بلده، ووسط أهله؟ فالإنسان سيعيش الحياة مرة واحدة فقط، فبماذا تنصحوني؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل- فإنه مما لا شك فيه أن الغربة لها ضريبة باهظة جدا، لأنها تقطعك عن أحب الناس إليك وأقرب الناس إليك، وتجعلك تشعر بغربة طيلة بعدك عنهم، بل وقد تفقد أعز الناس عندك، ولا تستطيع حتى أن تشارك في تشييع جنازته، فكم من مغترب ماتت أمه ولم يستطيع تشييعها، ومات أبوه ولم يستطع أن يقف في جنازته ليأخذ عزاءه، بل وقد يتعرض أبناؤه وزوجته بضغوطات لا يعلم بها إلا الله تعالى، بل وقد يتجرأ على زوجته وعياله رعاع الخلق وسقطهم، هذا كله وارد.

ولكن في المقابل الغربة لعل من أهم فوائدها الحياة الكريمة التي يوفرها المغترب لأولاده، إلا أن ذلك على حساب متعته الشخصية لزوجته، وحرمانه لنفسه من أعظم متعة أكرمه الله بها وهي جماع زوجته الطيبة الحلال، أعظم متعة ونعمة بعد الإسلام حقيقة.

وكذلك أيضا حرمانه من الأنس بأهله ووالديه وإخوانه وأخواته، ومع الأيام تجف هذه العواطف، بل لعلها تذبل أو تموت، فيشعر بأن عاطفته أصبحت باردة بينه وبين أهله، وهذا من الطرفين وليس من طرف واحد، وقد تخرج أجيال لا يعرفون عنه إلا مجرد الاسم فينساه أبناء الإخوة والأخوات والأعمام والعمات، خاصة الجيل الجديد لا يشعر تجاهه بأي رغبة، تجد الولد -إذا كان يقيم مع أبيه في الغربة- في حين يسلم على عمه لا يشعر أنه عمه، يعتبره شخصا عاديا، بل لعله لا يحبه، لأنه لم يألف العيش معه أو التعامل معه.

إلا أني أقول: إن أنسب الحلال حقيقة وجود الأسرة مع المغترب في محل غربته، لأنك حتى وإن فقدت أطرافا كبيرة إلا أنك لم تفقد مسؤوليتك الأساسية، لأنك حقيقة مسؤول مسؤولية كبرى وأساسية عن أسرتك، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: (والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته)، أنا قد تكون مسؤوليتي عن أبي وأمي مسؤولية جانبية، لاعتبار أن لدي إخوة وأخوات غيري يقومون مثلا بإكرامهما والإحسان إليهما، وقد يكون الوصل المادي كافيا، والزيارات المتباعدة تكفي، أما الزوجة والأولاد فهذا من أكبر الأخطاء التي يقع فيها المغترب، أنه يعيش بعيدا عن زوجته وأولاده.

لذا أنصحك بداية –بارك الله فيك– أن تستقدم أهلك حتى وإن كان المتبقي من الدخل سيكون قليلا، لأنك تجمع أموالك لتنفقها على أولادك، وقد لا تستطيع أن تعوضهم أبدا مهما دفعت لهم من أموال عندما يفقدون التوجيه، وعندما يفقدون المتابعة، وعندما يفقدون الدعم الروحي والعاطفي، فإن الأولاد سيخرجون تعساء حتى وإن تركت لهم الأرض ذهبا.

فأنا أنصحك أولا بالتفكير في أن تستقدم زوجتك وأولادك، حتى تستطيع أن تربي عيالك بالطريقة التي تحب، وحتى تستطيع أن تستمتع بزوجتك وأن تستمتع هي بك أيضا، خاصة وأنك ما زلت في مرحلة الشباب، ولو استمر الحال على ذلك فقد تصل إلى الخمسين عاما وأنت لم تتوقف عن الغربة، وبالتالي تعود كهلا عاجزا عن تحريك شيء.

فأنا أقول: إن الحل الأمثل –بارك الله فيك– إنما هو في استقدام الأسرة لتعيش معك، إذا لم يتيسر لك ذلك فضع لك سقفا ووقتا محددا للغربة، تجمع فيه بعض المال، فانظر في مردودك المادي، وحاول أن تقتصد قليلا حتى توفر لك رأس مال معقول، ثم بعد ذلك تنزل لتعمل في مشروع على قدر إمكاناتك، شريطة أن تمارسه أنت بنفسك، لأنك لو دفعت المال لأقرب الناس إليك لطمع فيك كما هو حال معظم الناس.

أعتقد أن هذا سيكون حلا، لكن لا تطيل أمد هذه المرحلة، لأن الأولاد يحتاجونك في كل لحظة من لحظات حياتهم، لا أقول بأنهم صغار لا يحتاجونك، بل بالعكس إن الأولاد في أمس الحاجة في مرحلة الطفولة المبكرة لأب رحيم يوجهم ويعلمهم، لأنك الآن تركت العبء كله على زوجتك، فهي أب وأم، وقد لا تكون مؤهلة أساسا بطبيعة تكوينها للقيام بهذا الدور، فتحدث شرخا عظيما في تربية أولادك.

إذا إما أن تستقدمهم كما ذكرت لك، وإما أنك تضع لك وقتا معينا تجمع فيه بعض المال، ثم تنزل إلى بلدك وتقيم مشروعا بهذا المال، إذا كان لديك الآن من المال ما يكفي فعجل وتوكل على الله، وانزل وعش مع أولادك، وبإذن الله تعالى سيبارك الله لك، وإلا فاصبر الصبر الجميل، واستعن بالله، ونسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات