السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدي سؤالان، أرجو الجواب عنهما:
1- كيف أتعامل مع الأشخاص الذين يعاملونني دائما بالإساءة والاستهزاء في الرد؟ وهل يحق لي الرد عليهم بالمثل؟
2- وردت أدلة شرعية كثيرة في كتاب الله -عزوجل- عن الاقتصاص من الظالم، لكن ما ضوابط ذلك؟
شكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عجلان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في موقعك إسلام ويب، وإنا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.
بخصوص ما تفضلت بالسؤال عنه، فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: العرب تقول: "كل إناء بما فيه ينضح". ولا يعني -أخي الحبيب- تطاول البعض عليك أو تعاملهم بالإساءة معك؛ أنك على خطأ، بل يدل على أنك تربيت على مكارم الأخلاق.
ثانيا: قد سألت -أخي الحبيب- عن طريقة التعامل مع مثل هذا الرجل، وهي على ما يلي:
1- الفضل: مقابلة السوء بالإحسان مع العفو عنه، وفي ذلك من الأجور ما لا يعلم قدره إلا الله، وقد يكون سببا في تحويل الكراهة إلى محبة، قال الله -تعالى-: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}. وهذا التوجه منك تستجلب به معونة الله -عز وحل-؛ فقد قال رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، "إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي"، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهيرعليهم ما دمت على ذلك).
يكفيك -أخي الحبيب- أن تعلم أجر من كظم غيظا وهو قادر على رد العدوان، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-:(من كظم غيظا، وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء). وعن ذلك المعنى يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه) رواه مسلم، وفي لفظ لأحمد: (ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله إلا أعزه الله -تعالى- بها ونصره).
2- الإمساك عن العفو والصفح، وتفويض الأمر لله -عز وجل-.
3- المقاصة: ويعني مقابلة السيئة بمثلها دون تجاوز. ومما لا شك فيه أن أعلى المقامات هي العفو والصفح.
ثالثا: ضابط رد العدوان -أخي الحبيب-، هو عدم التجاوز، قال تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها}.
رابعا: إننا نريد منك أن تثق في نفسك حتى لا يضرك كلام غيرك، والثقة بالنفس: إحساس داخلي يشعر المرء بقيمته بين أقرانه، ثم يترجم هذه الثقة لتشمل كل حركة من حركاته وسكنة من سكناته، ويتصرف الإنسان بشكل طبيعي دون قلق أو رهبة؛ فتصرفاته هو من يحكمها، وليس غيره.
خامسا: حتى تعود الثقة إلى مكانها، لا بد أولا من التعرف على الأسباب التي تضعف الثقة بالنفس، وهي كالتالي:
- تهويل الأمور وتضخيم المواقف، بحيث تشعر أن من حولك يركزون على ضعفك ويرقبون كل حركة غير طبيعية تقوم بها.
- اعتبار نقد الناس هو المعيار الحقيقي لك، وهذا خطأ، فالمعيار الحقيقي هو ذاتك أنت.
- كثرة التفكير في كل انتقاد، وهذا أيضا خطأ؛ لأنه قد يتطور الأمر إلى أن يصل إلى حد احتقار الذات في الخلوة ببعض الألفاظ التي قد تدمر الشخصية، مثل: أنا دميم أو أنا فاشل أو غير ذلك من العبارات الفارغة، والتي قد تشكل خطرا جسيما على النفس؛ لأنها تزيد من اقتناعك بكلام الغير، وعليك التوقف فورا عنها.
سادسا: بالطبع سينتج عما سبق: الخوف والقلق من أي فعل تقوم به أو أي حركة تصدر منك، وهذا يشعرك دوما أنك مصدر إزعاج لنفسك أولا وللآخرين ثانيا.
سابعا: يكمن العلاج بعد ذلك في عدة أمور:
- من المهم أن تقنع نفسك أنك طبيعي، وأن الخلل الموجود الذي تعاني منه، هو عارض وله علاجه، ولا ينبغي القلق منه أو التركيز عليه.
- لا اعتبار لكلام الغير، وكرر دوما لنفسك: أحب نفسي على ما أنا عليه، ولا عبرة بكلام الغير.
- نرجو منك أن تتعرف على بعض الإخوة الصالحين، وخاصة من الذين جمعتهم المساجد، وكلما كانوا أكبر منك سنا كان أفضل.
- نوصيك بتنويع اهتماماتك، ومن ذلك العمل الاجتماعي، اجتهد أن يكون لك دور في مساعدة الآخرين عبر أي جمعية أو مؤسسة تهتم بهذا الشأن.
- تذكر دائما أن معيار تفاضل الناس عند الله لا يكون إلا بالتقوى والعمل الصالح، ولا عبرة بغير ذلك.
- في الختام: أنت إنسان طبيعي، ولا يعني -أن الله عصمك من رد السيئة بمثلها- أنك مخطئ كما ذكرنا لك.
نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يسعدك في الدارين، والله الموفق.