السؤال
السلام عليكم.
أنا شاب عمري 16 عاما، مشكلتي في النظرة للعاصي والقلب الأسود نوعا ما، فقلبي فيه نسبة ليست كبيرة من الكراهية والحقد، وأشعر بها وأشعر أني لا أحب الناس، وعندما أنظر إلى شخص عاص يفعل شيئا حراما تصيبني لحظة من الكبر، لكني أذكر نفسي أحيانا بأنه مسلم، وأنه لا يوجد إنسان بلا عيوب، فتتغير نظرتي وفكرتي، لكن يظل الإحساس الأول كما هو، وهو أني أراه شخصا غير محترم مثلما أرى بنتا ترتدي ملابس ضيقة، أو شابا يسب ويلعن، ومشكلتي هي في أول إحساس يقابلني، وهو يعبر بالتأكيد عما بقلبي فما العمل؟ أريد أن يكون لي قلب طيب وأحب الناس.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ AMR حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في موقعك "إسلام ويب"، وإنا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.
وبخصوص ما تفضلت بالسؤال عنه، فاعلم -رعاك الله- أن الله قسم على الناس أرزاقهم، يتفاوتون فيها قوة وضعفا، وكثرة وقلة، كما يتفاوتون في معيشتهم غنى وفقرا، وسعادة وحزنا، والشريعة الإسلامية كما حرمت على المسلم أن يعير أخاه بنقص خلقي اعتراه، كذلك حظرت عليه أن يستطيل عليه بنعمة هي في الحقيقة منحة من الله عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك".
وظهور كرهك إلى الناس أصحاب المعاصي ينبغي ألا يتعدى مرحلة كره المعصية، مع الدعاء له بالتوبة والهداية، فإن المؤمن الحق يحب إخوانه جميعا، ويتمنى الخير لهم، ويبغض معاصيهم، ويرجو أن تشملهم رحمة الله عز وجل.
اعلم -أخي الحبيب- أن الله قد يعافي هذا المبتلى، وقد يفعل فعلا فينظر الله إليه فيغفر له، وفي هذا الحديث الصحيح ما يؤكد هذا المعنى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء، ثم أمسكه بفيه حتى رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له " وهذا باب واسع -أخي الحبيب-.
بل ذهب أهل العلم إلى أن منشأ الكراهة قد يكون من غرور الطاعة، وهذا أخطر من المعصية ذاتها يقول ابن القيم رحمه الله: ( ولعل كسر نفس أخيك بسبب ما وقع فيه من ذنب، وما حدث له من الذلة والخضوع، بسبب ما اقترف من معصية، وتخلصه من مرض الكبر والعجب، ووقوفه بين يدي الله منكس الرأس، خاشع الطرف، منكسر القلب، لعل هذا أنفع له وخير من صولة طاعتك وزهوك بها، والمن بها على الله وعلى خلقه".
ومما أثر من حكم ابن عطاء الله السكندري قوله: "رب معصية أورثت ذلا وانكسارا، خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا".
وأنت تعلم -أخي الحبيب- أنه لا صغيرة إذا قابلك عدل الله، ولا كبيرة إذا واجهك فضله، أي لا صغيرة من ذنوبك، بل كلها كبائر إذا قابلك الله بعدله وحاسبك حسابا قوامه العدل لا الفضل.
والعاقل -أخي الحبيب- هو من يحاسب نفسه، ويراجع عمله، ويراقب الإخلاص في نفسه، فالله لن يسألك عن معصية الغير، وإنما سيسألك عن وجود الإخلاص، أو غيابه في علمك، وتذكر دوما ما قاله أهل العلم: " ربما فتح لك باب الطاعة، وما فتح لك باب القبول".
أما عند درجات الوصول إلى القلب الطيب الذي يحب الناس، فالأمر هين إذا فعلت ما يلي:
1- فرق بين المعصية والعاصي، فالمعصية قبيحة يكرهها الناس وتعافها الطباع المستقيمة، لكن العاصي يظل أخا لك، والأخوة توجب عليك نصحه، والدعاء له بالهداية.
2- الانشغال بعيب النفس بدقة وحرص، وهذا يصرفك عن عيوب الغير، وقد قيل قديما:
المرء إن كان عاقلا ورعا **** أشغله عن عيوب غيره ورعه
كما العليل السقيم أشغله **** عن وجع الناس كلهم وجعه.
3- اجعل هذه الآيات أمام ناظريك قال تعالى: { كل نفس بما كسبت رهينة } (المدثر:38)، وقال: { من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } (الإسراء:15) ، وقال سبحانه: { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } (الأنعام: من الآية164).
4- القراءة في سير الصالحين، وكيف عبادتهم الله عز وجل، فكلما قرأت للسلف استحقرت ما قمت به من عمل، وطلبت المزيد.
5- مصاحبة أهل العلم والدين والخلق، ممن تعرف فضلهم وتعرف طاعتهم لربهم.
وأخيرا: كثرة الدعاء إلى الله عز وجل أن يصرف عنك هذا الخلق، وستجد الخير -إن شاء الله- أمامك.
نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يصرف عنك الشر والله المستعان.