السؤال
السلام عليكم.
أشعر بالوحدة، وأشعر أن شيئا ما يحدث يضايقني، ويعتبر خطأ في حقي من وراء ظهري، وأنا لا أعرفه.
أنا مصري أقيم في السعودية بغرض العمل، أنا خطبت فتاة منذ 4 أشهر، وحدثت بيننا مشكلات عديدة تتمحور دوما هذه المشكلات حول أسلوب معاملتي لها فيما يخص عملها، أو أقربائها أو صديقاتها، أو أي شيء يخص من حولها من المجتمع.
أظن بأي زميل عمل لها، أو بائع البقالة الذي تشتري منه وهكذا، وهي يشهد الناس أنها ملتزمة، وأنا أراها كذلك، لكن هي تحسن الظن دوما بكل الناس، وأنا أرى أن معظم الناس سيئون ونياتهم خبيثة تجاه النساء عموما.
زادت حدة التوتر هذه بسفري وابتعادي، أرهقتني الظنون، وأسأل نفسي هل كل ظنوني هذه خاطئة، ولا يوجد ظن ولو وحيد أني على صواب بأنها تخطئ في حقي، أو أن إنسانا يخطئ في حقي من خلالها؟
أريد أن أحيطها دوما، أريد أن أمتلكها بكل معنى الكلمة، وهي تشعر حقا بالضيق، وسعت جديا في إنهاء الخطبة، ولكن أنا كل مرة من أتمسك بها، وأعدها بأن أتغير كل مرة، ولا جديد.
لا أعرف أهي من أوصلتني لذلك، أم أنا المصاب بالقلق والوساوس والظنون؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد السيد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعك بأهلك على خير، وأن يجعلكما من سعداء الدنيا والآخرة، كما نسأله جل وعلا أن يذهب عنك حدة هذا الشك الذي يكاد أن يقتلك، وأن يجعلك ممن يحسنون الظن ولا يسيئون، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة.
وبخصوص ما ورد برسالتك – أخي الكريم الفاضل – فالذي يبدو أنك تعاني من مرض يسمى بالشك المرضي، وهذا الشك يؤلم صاحبه جدا، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: (إذا ظننت فلا تحقق) ويقول: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث) فسوء الظن عادة مشكلة، ويؤدي إلى مثل ما تعاني منه أنت وزيادة، ولذلك إذا لم يكن هناك ثقة متبادلة بين الرجل وامرأته، فإن الحياة تتحول إلى جحيم لا يطاق.
ولكن أبشرك بأن هذه الحالة سوف تنتهي بالزوال؛ لأن بعض الذين مروا بفترة الخطبة أو العقد قبل الدخول في مرحلة الشباب يكونون غالبا في مثل حالك، لا يريد لامرأته أو لخطيبته أو زوجته أن تلتفت يمينا أو يسارا، ولا يريد أن تتكلم مع أحد سواه، ويريد أن يقطعها عن العالم كله، ولكن ما أن يتزوج وتمر فترة على هذا الزواج إلا وتبدأ هذه المشاعر تتلاشى، وتأتي المشاعر الطبيعية الحقيقية عند الإنسان العادي، أما الإنسان المريض بمرض الشك أو الوسواس فإنه لا يستطيع أن يتخلص منها، الإنسان الطبيعي هو الذي يتخلص منها، بعد الزواج تستقر الحياة؛ لأنه يكون قد عرف أخلاق امرأته وعرف قيمها ومبادئها، وأيضا في نفس الوقت أصبح يعرف طبيعة العلاقة بينها وبين الناس، زميل عمل غاية ما فيه أنه مثلا قد يدخل المكتب مرة أو مرتين، ولكن لا يختلي بها، ولا يطلب شيئا خاصا، ولا يعرف عنها شيئا خارج العمل...
هذه المسائل طبيعية - مع الأسف الشديد - في المجتمعات المختلطة الآن؛ لأن هذه المجتمعات أصبحت ظروفها مختلفة تماما عن الذي رسمه الشرع، ويرون أن الذي هم عليه هو الأفضل، ولذلك موضوع الاختلاط أمر عادي عندهم، فقط يستندون في ذلك إلى حسن التربية، وحسن الأخلاق، والخوف من الله، وتحدث هذا اللقاءات كما لا يخفى عليك.
وأنت لا تستطيع أن تمنعها عن الناس؛ لأن هذا أيضا فيه صعوبة وفيه مشقة، خاصة وأنكما ما زلتما في مرحلة الخطبة، وفي نفس الوقت أيضا أنت بعيد عنها.
فأنا أرى – بارك الله فيك – أن تحاول أن تستغفر الله تعالى، وأن تكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ولا تحاول أن تتبع الزلات، ولا أن تبحث عن العثرات، ولا أن تقف عند الأشياء البسيطة، وكما قالوا: سيد الناس المتغافل، المتغافل الذي يتغافل عن الأمور التي جرت بها العادة، ليس معناه أن يرى المنكر في أهله ولا ينكره؛ لأن هذا منكر شرعا، وإنما الأمور التي جرت بها العادة يتركها، ما دام يشهد الناس لها بأنها ملتزمة، وأنت تشهد لها بذلك، فأنا أرى – بارك الله فيك – أن تخفف من حدة متابعتك لها، وكلامك معها، وحاول أن تركز معها على شيء آخر، وهو: كيفية التأسيس والتخطيط لحياة جادة وسعيدة وهادفة، هذا من الممكن أن يستغل الوقت الموجود عندك الذي تحدث فيه هذه المشاعر.
كذلك أيضا من الممكن مراجعة شيء من القرآن عبر الهاتف، خاصة مع تقدم التقنية، وأصبح من السهولة بمكان أن يتم ذلك، سواء كان بمقابل أو بدون مقابل، كذلك أيضا الاتفاق على كتاب معين تقرئانه فيه معا، مما يتعلق بالحياة الأسرية والزوجية، وغير ذلك، المهم أن تستغل وقتك في شيء نافع، وأن تكثر من الدعاء أن يشرح الله صدرك للذي هو خير، وأرى أنك بذلك – بإذن الله تعالى – سوف تخرج من هذه المشكلة على خير، فحاول أن تقاوم هذه الوساوس، ولا تلتفت لها، ولا تلقي لها بالا، وبإذن الله تعالى ستكون سعيدا، وعجل بالزواج وبالدخول حتى تستقر وتهدأ وتطفئ هذه النار الموقدة التي تملأ قلبك والعياذ بالله.
هذا وبالله التوفيق.