هل يحاسب الله العبد على ذنوب قديمة تاب منها؟

0 560

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة كنت أمارس الكثير من المعاصي، ثم تبت منها توبة نصوحا، وندمت عليها كثيرا -ولله الحمد-، كلما أتذكر دعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم حاسبني حسابا يسيرا"، أخاف كثيرا وأتساءل: هل يعني هذا أن الله سيحاسب جميع الناس حتى رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهل سيحاسب من تاب عن الذنب توبة نصوحا أيضا؟

أصبحت أعاني من القلق والأرق، وأشعر بنوبات هلع وذعر، كلما تخليت أن الله سيحاسبني على تلك المعاصي، أرجو مساعدتي جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أحلام حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله -جل جلاله- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يصرف عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة- مما لا شك فيه أن الله -تبارك وتعالى- قطعا سيحاسب الخلق جميعا حتى الأنبياء والمرسلين، وهذا تصديقه في قوله -تبارك وتعالى-: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين}، فهنا يبين الله -تبارك وتعالى- أنه سيسأل المرسلين صراحة، وسيسأل الأمم التي ذهب إليها أو توجه إليها المرسلون، وأيضا قول الله -تبارك وتعالى-: {وقفوهم إنهم مسؤولون}، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، فكل مخلوق سوف يسئل بين يدي الله -تبارك وتعالى- يوم القيامة، والحساب اليسير هو عبارة عن: مجرد العرض على ملك الملوك -جل جلاله سبحانه-، بأن يدخل العبد على الله تعالى، فيذكره الله ببعض الأخطاء التي وقع فيها، ثم يقول له: (عبدي كما سترت عليك في الدنيا فأنا أغفرها لك الساعة، خذ كتابك بيمينك فادخل الجنة)، هذا هو الحساب اليسير.

أما فيما يتعلق بالتوبة النصوح التي جاءت منك، خاصة وأنك قد ارتكبت الكثير من المعاصي -كما ورد في رسالتك-، أقول لك: ما دمت قد تبت إلى الله توبة نصوحا -كما تذكرين-، فأبشري بفرج من الله وخير وفضل، لأن الله -تبارك وتعالى- أخبرنا بقوله: {إنما التوبة على الله}، لمن؟ {للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم}، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (الندم توبة)، ويقول: (من تاب، تاب الله عليه)، ويقول: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، والله -تبارك وتعالى- يقول: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات}، ويقول: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}، ويقول: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون}.

فإذا إذا كنت تبت توبة نصوحا فأبشري، واعلمي أن الله -تبارك وتعالى- لم، ولن يحاسبك على ذلك، بل بتوبتك الصادقة النصوح سيبدل الله سيئاتك حسنات، مصداقا لقوله: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما * ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا} فمن صدق التوبة العمل الصالح، وبذلك تعلمين قبول التوبة وأنها صادقة نصوحا، وأحسني الظن بالله -تبارك وتعالى-، لأنه -جل جلاله- يقول كما ورد في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي فلا يظن عبدي بي إلا خيرا)، وفي رواية: (فليظن بي ما شاء)، وفي رواية: (من ظن خيرا فله).

والمطلوب منك الآن: هو الحرص على هذه التوبة ألا تنقض تحت أي ظرف من الظروف، أو سبب من الأسباب، والتوبة النصوح: هي التي تكون ابتغاء مرضاة الله وحده أولا، خالصة له، وليست خوفا من الفضيحة، أو خوفا من شيء آخر، وإنما أول شيء من شروط التوبة أن تكون خالصة لله، ليست لأي سبب آخر، وأركان التوبة: الإقلاع عن الذنب فورا، الندم على فعلها، عقد العزم على ألا تعودي إليها مطلقا، والاجتهاد في الإكثار من الاستغفار، والأعمال الصالحة، واتركي الأمر لله -تبارك وتعالى-، واعلمي أن الله -تبارك وتعالى جل جلاله سبحانه وتعالى- وعدنا، ولن يخلف وعده معنا، {ومن أوفى بعهده من الله}؟

فأبشري بفرج من الله، وأبشري بتوبة الله عليك، وأبشري بعفو الله ومغفرته، واعلمي أن الله -تبارك وتعالى- يفرح فرحا عظيما بتوبة التائبين إليه، كما ورد في ذلك كلام النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، فاتركي عنك هذا القلق، وهذه الهواجس التي سببها الشيطان، لأن الشيطان -لعنه الله- لا يريد لك أن تستريحي، ولا يريدك أن تسعدي، ولا تهنئي بهذه التوبة، ووعد وأقسم بعزة الله وقال: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين}، وقال: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم}، وهذا كله نوع من أنواع الانتحار الشيطاني، فإن الشيطان عز عليه أن تتركي هذه المعاصي؛ ولذلك يحاول أن يكدر خاطرك وأن يعكر صوفك بإقناعك بأن التوبة غير مقبولة، وأنك ستحاسبين حسابا عظيما، وهذا كله ليس كذلك، فالله أجل وأعظم من ذلك.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات