السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
أتمنى أن تصل رسالتي إليكم؛ لأتخلص من الشيطان وأعوانه، وأرجع إلى الله ورضوانه.
أنا طالب جزائري في الثانوية، خارج عن الصراط تماما، فأنا بعيد عن الله، أتبع الهوى كمعظم الناس حولي، وهذا من الأسباب الرئيسة، والتي ترجعني إلى الفسق بعد توبتي، فلا أقدر على مواصلة الطريق نحو رضا الله سبحانه، في جميع توباتي السابقة، رغم أني عندما أتوب أحس بحلاوة الإيمان في قلبي، وأتذكر فضل الله علي.
إن خرجت إلى المدرسة ألتقي زملائي الذين نسوا الله عز وجل تماما، فهم يسبون ويغشون وينمون بكل بساطة، فمجتمعنا بعيد عن الله كل البعد، ولا يفقهون شيئا، إلا اللباس، والأكل والشرب، والنوم، وصلاة الجمعة طبعا.
أنا في أيامي الأولى لتوبتي، يحدث لي وسواس، وأصبح لا أخاف حتى من النار، ولا أفرق بينها وبين الجنة، رغم علمي بشدتها، وبعد قراءتي القرآن الكريم، والحمد لله وجدت الخوف، وزال الشك، وظهر لي اليقين، لكن عند العودة إلى المدرسة، والتقائي بزملائي؛ يتغير الكلام.
ذكرت أن زملائي في القسم معظمهم بعيدون عن الله، وحتى البنات كذلك، فهن فتنة طبعا بلباسهن، وكلامهن، وتقربهن إلينا، أحس هذه الأيام أن الساعة قريبة؛ لأن العلامات الصغرى واضحة أمامي وضوح الشمس، ولا أعرف ماذا أفعل، وكيف أتأقلم مع توبتي في هذا المجتمع الناسي الله عز وجل.
حتى عندما أذهب إلى المسجد أجد مصلين يصلون بسرعة لا متناهية، فأكره ذلك طبعا، والآن أريد أن أتوب وأسعف هذه الأمة من قبضة الشيطان الرجيم، وأكون من الصلحاء، وأبلغ رسالة الإسلام بإذن الله، ولكني لا أعرف من أين أبدأ.
في الأخير: أريد أن أطرح سؤالا بخصوص الصلوات التي لم أصلها وقت المعصية، هل لا بد من أن أصليها أم إن التوبة تكفي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ صهيب حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك –أيها الولد الحبيب– في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك معنا، كما نشكر لك علو همتك ورغبتك في التوبة إلى الله تعالى، وهذا مفتاح الخير بإذن الله، نرجو الله تعالى أن يأخذ بيدك إلى كل خير.
لقد أصبت –أيها الحبيب– حين قررت أن تتوب وأن ترجع عن سلوك هذا الطريق الذي وصفته، فإن معصية الله تعالى لا تجر للإنسان إلا الخيبة والخسران، وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} وفي المقابل الحياة المستقيمة المطمئنة التي تغشاها السكينة لا يجدها الإنسان إلا في ظلال شرع الله تعالى، وفي ظلال طاعة الله، كما قال الله سبحانه وتعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة}.
كما أصبت –أيها الحبيب– أيضا عندما رجعت إلى القرآن لتغرس في نفسك الخوف من الله سبحانه وتعالى، ومن عقابه ووعيده، فإن هذا القرآن أنزله الله سبحانه وتعالى بشيرا ونذيرا، يبشر الطائع بما عند الله تعالى من الثواب والفضل، ويخوف العاصي بما أعده الله سبحانه وتعالى لأصحاب المعاصي من العقوبات والزواجر، وقد قال الله عز وجل لنبيه: {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد}.
التوبة –أيها الأخ الحبيب– فريضة من الله تعالى على العباد جميعا، كما قال سبحانه وتعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} وقال: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا}، فالواجب علينا جميعا أن نتوب، وتوبتك من هذه الذنوب تعني أن تقلع عنها، وأن تعزم على عدم الرجوع إليها مع ندمك على فعلها، فإن الندم توبة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ومن الأسباب المعينة لك على التوبة أن تبحث عن الصلحاء من الجلساء، فتبحث عن الشباب الطيب، وهم كثير ولله الحمد، وتبحث عن أهل المساجد والدعاة، وتكثر من الجلوس في حلقات الذكر، وبذلك تعين نفسك على تحقيق التوبة والاستمرار عليها، وهذا إرشاد نبوي، فقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قصة الرجل الذي قتل مائة نفس، ثم جاء يستفتي العالم عن التوبة فأخبره بأنه لا يحول بينه وبين التوبة حائل، لكنه أمره بأن يترك القرية التي هو فيها، ويذهب إلى قرية أخرى فيها أناس يعبدون الله تعالى فاعبد الله تعالى معهم.
فينبغي أن تجعل هذه الوصية بين عينيك، فتجتهد قدر استطاعتك في استبدال الرفقة بآخرين، فتكثر من مجالسة الصالحين، ولو تمكنت من تغيير مجال الدراسة إلى مجال آخر، أو من المكان السيئ إلى مكان أفضل منه أو أقل سوء، فينبغي أن تفعل ذلك بقدر استطاعتك، هذا من الأسباب المعينة لك على الاستمرار على التوبة.
وأما سؤالك عن الصلوات التي تركتها وقت المعصية: فالاحتياط هو الأفضل أن تقضيها، لأن أكثر العلماء يقولون بوجوب القضاء، ومن أهل العلم من يرى بأن القضاء غير لازم، وأنه ينبغي للإنسان أن يشتغل بالإكثار من النوافل، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى– ومن وافقه من أهل العلم قديما وحديثا، ولا حرج عليك في أن تأخذ بهذا القول، وإذا أردت الاحتياط فهو ما قدمناه لك.
نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يأخذ بيدك إلى كل خير، ويتولى عونك.