السؤال
السلام عليكم
أنا أعيش حياة هادئة إلا أن فيها بعض التنغيصات، والآن لا أريد شيئا من هذه الدينا، فقد عشت فيها زمنا -والحمد لله-، وسأتخرج من الجامعة هذه السنة، وأهلي يرون أني مغتصبة، ولن يرضوا بتزويجي، وأخواتي ينكدن علي في كل يوم، وأسأل الله أن يقبل أعمالي، ويغفر ذنوبي، ويمن علي برحمته، وكل يوم يمر أقلق بشأن المستقبل، وأفكر أن الموت أفضل، فإذا من الله علي، ودخلت الجنة؛ عشت حياة هنيئة، فلا تنتظر من أحد أن يشكر أو أن يفهم موقفك، أو أن يهتم بك، فهل يجوز أن أدعو لنفسي بالراحة؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يفرج كربك ويذهب حزنك، وأن يجعل لك من كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية.
نحن نتفهم مدى الضيق الذي تعيشينه بسبب ما نزل بك من هذا الابتلاء، ولكننا في الوقت نفسه لا نوافقك على أن تنظري إلى الحياة هذه النظرة التي يغلب عليها اليأس، فإنك لا تدرين ما يعده الله تعالى لك في مستقبل الأيام، ولذا فنحن ننصحك -أولا- بإحسان الظن بالله تعالى، فإن الله تعالى أهل لأن يظن به كل جميل، وقد قال سبحانه في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء)، فانتظري الفرج من الله واللطف منه، وأحسني الظن به، واعلمي بأن سعادة هذا القلب وراحته إنما تحصل حين يتعلق بربه ويشتغل بذكره، وحينها يجد للحياة طعما ويعرف لها قدرا.
والإنسان قد يبتلى في هذه الدنيا بما يكره، وخير قدوة لك في ذلك أنبياء الله تعالى ورسله، فقد نزل بهم من الضر والضيق الشيء الكثير، والقرآن يخبرنا عن ذلك كله، وما أخبرنا الله تعالى بذلك إلا ليكونوا لنا أسوة وقدوة.
واعلمي -بارك الله فيك- أن هذه الدنيا جعلها الله -عز وجل- دارا للعمل، ثم يجزى الإنسان بعمله في الدار الآخرة، والبلاء والمصائب التي تنزل بالإنسان في هذه الدنيا إن هو قابلها بالصبر والاحتساب كانت من أسباب تثقيل موازينه وتكفير سيئاته، فيفوز الفوز كله ويفلح الفلاح كله، وقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة عن عواقب هذا الابتلاء والامتحان، فقد قال لنا -عليه الصلاة والسلام-: (لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) وقال: (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
فينبغي للمؤمن أن ينظر إلى الابتلاء بهذه النظرة؛ فتتحول الحياة إلى لذة وراحة، لأنه يعلم أن له العاقبة الحسنة عند الله تعالى، وأن أجره لا يضيع.
وأما ما ذكرت من تمني الموت والدعاء به بسبب ضر الدنيا وبعض المشاق التي تصيب الإنسان فيها، فهذا مما نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- وصرح العلماء بكراهته، فقد قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، قال: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا له، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي).
فينبغي للإنسان المؤمن أن يتأدب بالآداب التي أدبه الله تعالى بها، وعمر المؤمن نعمة من نعم الله تعالى عليه، لن يجلب له إلا خيرا، فإن كان محسنا زاد في إحسانه، وإن كان مسيئا استغفر وتاب.
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد، وأن يجعل لك من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا.