السؤال
السلام عليكم.
أدعو الله أن تكونوا بموفور الصحة والعافية، وأن يديم الله علينا نعمة الإسلام، وكفى بها من نعمة.
لو أن هناك إنسانا لم يترك معصية ولا كبيرة، ولا ذنبا إلا ارتكبه، وتاب ذلك الإنسان إلى الله وندم على ما كان منه، وتمنى أنه لم يعص الله أبدا، ترك ذلك الإنسان الذنوب والكبائر والمعاصي والغيبة والنميمة. ندم عليها ودعا الله أن يغفر له، أقبل على الله، وبدأ يدعوه، توقف عن سماع الأغاني، أقبل على قراءة القرآن، وأقام الله ما شاء الله له أن يقيم، هل سيرده الله وإن أتى الله بملء الدنيا خطايا وذنوبا ومعاصي وكبائر؟ وهل ما تقدم من الإقبال على القرآن بعد أن لم يكن يقرأ منه شيئا، والتوقف عن المعاصي والذنوب والدعاء والبكاء بين يدين على ما فرط في جنب الله علامة على قبول توبته؟
وفقكم الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل- فإني أبشرك ببشرى مولانا الجليل سبحانه وتعالى، والذي قال فيها: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}، وقال الله تبارك وتعالى: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم} وقال جل وعلا: {{وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} وقال: {فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أولئك أن يكونوا من المفلحين} إلى غير ذلك من النصوص القرآنية المبشرة الرائعة، التي تفتح الأمل في عفو الله تبارك وتعالى، وتحفز المسلم على ترك المعاصي وحسن الظن بالله تعالى، واللجوء إليه سبحانه وتعالى جل جلاله بصدق وإخلاص.
واعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا بقوله: (قال الله تعالى: (أنا عند ظن عبدي بي، فلا يظنن عبدي بي إلا خيرا).
فما أن تحسن الظن بالله من أنه يغفر الذنوب جميعا، وأنه يتجاوز عن السيئات، وأنه يقبل التوبة ويعفو عن السيئات، وأنه وعد بقوله: {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم}، وأنه يعفو عن الخطايا والزلات والأخطاء، فاعلم أن الله تبارك وتعالى لن يخيب ظنك فيه أبدا.
فعليك أولا: أن تحسن الظن بالله عز وجل.
عليك ثانيا: أن تعلم أن (من تاب تاب الله عليه).
عليك ثالثا: أن تعلم أن التوبة واجبة من جميع الذنوب والآثام والأخطاء والمعاصي، سواء كان ذلك في حق الله تعالى أو في حق عباده.
وعليك رابعا: أن تحدث توبة كلما أخطأت ووقعت في المعاصي، ولا تقنط من رحمة الله، وأن يكون مثلك مثل الرجل الذي قتل مائة نفس فلما أن أراد أن يتوب تاب الله عليه.
وعليك خامسا: أن تعلم أن للتوبة شروطا وأركانا، فإذا كانت في حق الله تبارك وتعالى فلا بد من التوقف عن الذنب، ولا بد من الندم على فعله، ولا بد من عقد العزم على ألا يعود الإنسان إليه، ولا بد أن تكون التوبة خالصة لله، ليس خوفا من أحد، وليس خوفا من مرض، ولا خوفا من شيء، وإنما توبة صادقة تبتغي بها ما عند الله تبارك وتعالى من العفو والمغفرة والأجر والمثوبة.
أما إذا كانت التوبة تتعلق بحق آدمي فلا بد من التحلل منه، فإذا كان الذنب الذي وقع فيه العبد مالا وجب أن يرده إلى صاحبه، وإن كان شيئا كالأعراض التي عادة ما يقع فيها الأخطاء فإن العبد يستر على نفسه ويتوب إلى الله تبارك وتعالى، والله قادر على أن يعوض صاحب الحق يوم القيامة، وهو على كل شيء قدير، وقادر على أن يغفر ذنب هذا المذنب ما دام قد تاب إليه.
فإذا نعم أكيد، أقول لك بأن العبد إذا تاب توبة نصوحا فإن الله يتوب عليه، وذلك عملا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الندم توبة) وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: (من تاب تاب الله عليه)، وبقوله: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، فما علينا إلا أن نتوب توبة صادقة نصوحا، وكما ذكرت لك فالتوبة واجبة، ولقد قال الله تعالى: {ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} فالذي لا يتوب ظالم لنفسه وظالم لغيره، والذي يتوب فإن الله تبارك وتعالى وعده أن يغفر له.
وكون الإنسان يتحسن حاله بعد التوبة ويؤدي عبادات رائعة كما - ورد في رسالتك - هذه من علامات قبول التوبة؛ لأن العلماء يقولون: من علامات قبول التوبة أن حال العبد يتحسن بعدها ويقبل على الطاعات بصورة أفضل مما كان عليه عند الوقوع في المعاصي، وقد قال الله تعالى: {ومن تاب وعمل صالحا} ماذا؟ {فإنه يتوب إلى الله متابا} جواب شرط، أي أن من تاب ثم أتبع التوبة أعمالا صالحة فإن الله يقبل توبته، وقد قال الله تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات}، وهذا الذي أراه من رسالتك، وبذلك أبشرك بأن الله قد غفر لك وتاب عليك، فاجتهد في المحافظة على هذا المستوى الذي وصلت إليه، واجتهد في مزيد من الطاعة، واعلم أن من أقبل على الله أقبل الله عليه، ومن أتى الله يمشي أتاه هرولة.
هذا وبالله التوفيق.