السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
ولدي يبلغ من العمر ست سنوات تقريبا، لاحظنا أنا وأمه أنه يكذب ويسرق، ولقد بعث لي مدير المدرسة معه رسالة داخلها 10 دينار، يقول لي فيها: أعط ابنك نصف دينار يكفيه، يظن أنني أعطيتها إياها، وبعد أن حققت معه وضربته، قال لي: إنه سرقها من حجرتي، وهو ما زال على نفس الحال. أرجو إيفادي كيف التعامل معه؟ بارك الله فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو صفية حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله أن يصلح لنا ولكم النية والذرية، وأن يلهمنا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا.
فإنه ليس من مصلحة هذا الطفل إعلان هذا الأمر وإظهار الانزعاج الشديد أمامه، فهو لا يزال صغير، وفعلنا هذا قد يؤصل في نفسه هذا السلوك الذي لا يعرف حسنه من قبحه، ولذلك نحن نتحفظ على تسمية هذه الأخطاء سرقة وكذب في معاملتنا مع الأطفال صغيري السن، ومعلوم أن الطفل إذا شاهد شيئا وأعجبه يأخذه مباشرة، سواء كان في متجر أو في أي مكان، وهنا يأتي دورنا في التوجيه والمراقبة.
وأرجو في البداية أن نبحث عن الأسباب المحتملة لهذه الممارسات، وسوف نأخذ أولا قضية أخذ الأشياء من جيبك أو من أي مكان، حتى نقف على دوافع السلوك التي ربما كان منها:
1- عدم إعطاء هذا الطفل ما يريده مقارنة بمن حوله.
2- تأثر الطفل بأقرانه، والذين حوله، واكتساب هذا السلوك منهم.
3- شعور هذا الطفل بأنه مهمل، ويريد أن يلفت النظر.
4- ضعف المراقبة والمتابعة، وعدم السؤال عن مصدر الأشياء التي يأتي بها.
5- رؤية أفلام الرسوم المتحركة والأفلام المليئة بالكذب.
6- عدم وضع الأشياء الثمينة في حرز ومأمن.
7- رؤية من يفعل مثل هذه التصرفات في المنزل أو في المدرسة.
8- الخلل في التربية العاطفية، وهذا يجعل الطفل يفعل أشياء لينتقم ويعوض ما فقده.
9- المغامرة وحب الظهور، أو الرغبة في التقليد.
أما صفة الإخبار بخلاف الواقع، فربما كان السبب فيها:
1- استخدام العنف والصراخ في التوجيه.
2- اعتماد أسلوب التحقيقات عند وقوع الطفل في الخطأ.
3- التأثر بمن حوله من أصدقاء أو آباء وأمهات لا يبالون عندما يتكلمون، فربما تقول الأم اشترينا هذا الشيء بكذا، والطفل يعرف أن هذا الشيء هدية.
4- الكذب على الطفل، وهنا يأتي التوجيه النبوي (من قال لصبي: هاك ثم لم يعطه فهي كذبة) ولحديث عبد الله بن عامر حين قالت له أمه: تعال أعطيك .... فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما أنك لو لم تعطه شيئا كتب عليك كذبة) ونحن نلاحظ أن الطفل إذا خدعناه يمارس الخديعة والكذب مع من هو أصغر منه.
5- الشعور بالذلة والمهانة والإهمال.
6- ضعف التربية على الإيمان بالله والخوف من غضبه وعقابه، وعدم غرس روح مراقبة لله في نفس الطفل.
7- ابتهاج وسرور بعض الآباء عندما يكذب الطفل، وربما وجد من يلقن الطفل هذه الممارسات من أجل الضحك.
وعلينا أن نتذكر أن الطفل عنده خيالات لبعض الأمور، فقد يخبرك بأن جدته جاءت لزيارتهم وهي لم تحضر، وهذا لا يسمى للوهلة الأولى كذبا، وربما قال لك نحن ذهبنا للسوق، فهو يتكلم عن تطلعات وأشواق، ونحن نخطئ عندما نقول للطفل عند ذلك: أنت كذاب، وأخطر من ذلك أن نخبر الناس بأن فلان هذا يكذب؛ لأن هذا يحطم عنده حاجز الحياء، ويدفعه لاعتياد هذا السلوك من أجل لفت النظر إليه.
والذي يظهر للمربي من خلال ملاحظه الصغار أنهم مفطورون على حب الصدق، (وكل مولود يولد على الفطرة)، فإن الكذب لا يكون أصلا في طبع الإنسان، وإنما يكتسبه من بيئته أو بتأثره بالأهواء والشهوات، وبالتكرار يتحول هذا السلوك إلى عادة، ثم خلقا مكتسبا، والمؤمن يطبع على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة، ومن هنا كانت التربية على الصدق ميسورة.
وإذا وجد الطفل من يشجعه على الصدق والأمانة نشأ على أكمل الخصال، والطفل ينتفع بالرفق والملاطفة، ويتضرر من العنف والضرب، خاصة إذا كان صغيرا لا يعرف سبب العقوبة أو كانت العقوبة أكبر من الذنب، وأخطر من كل ذلك أن يصحبها تأنيب وتوبيخ.
وإذا علم الطفل أن الكذب قبيح وأنه يشين أهله، ووجد نماذج للصادقين والصدق، وبين له عاقبة الكذب، وأن أعظم الخطايا اللسان الكذوب، فسوف ينشأ صادقا، والصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، ومن واجبنا أن نربي أبناءنا على محبة الحق والصدق، ونغرس في نفوسهم الجرأة والصراحة، فإن الشجاع لا يكذب، وصاحب النفس النبيلة ينفر من الدنايا وعلى رأسها الكذب، وعلينا كذلك إبعاد المثيرات التي تنبه السلوك المنحرف عند الطفل، وذلك بتغيير البيئة، ولا شك أن كل غريزة لها منبه يثيرها، وإذا أردنا إضعافها فلابد من إبعاد ذلك المؤثر.
ومن الضروري التأكد من أن تلك الأخطاء مقصودة، فإذا ثبت ذلك، وتم التنبيه بلطف ولم تحصل التوبة، لزم تشخيص الدوافع، ومعرفة الأسباب، وإذا عرف السبب بطل العجب.
فاحرصوا على التوجيه بلطف، مع اختيار الأوقات المناسبة، والأفضل أن تكون البداية بتعليمه بالأشياء المحرمة، والاهتمام بتشجيع بوادر التحسن ولو كانت قليلة، وأحذركم من محاسبته على التصرفات السابقة التي ندم عليها، ولام نفسه بسببها.
والله ولي التوفيق.
==========================
وأجاب عليها الشيخ موافي عزب بالتالي:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يوفقك أنت وزوجتك لتربية أولادك تربية صالحة، وأن يعافي ولدك مما ابتلي به، وأن يجعله من الصالحين.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فأحب أن أقول لك بداية: إن الكثير من علماء النفس والتربية يذهبون إلى أن الصدق والأمانة من الصفات التي يكتسبها الطفل من بيئته، وأنهما لا يورثان، كذلك صفة الكذب والخيانة يكتسبان ولا يورثان، بمعنى أن هذه الصفات كلها يكتسبها الطفل من البيئة، وأن عامل الوراثة لا دخل له في ذلك غالبا، وأقصد بالبيئة الأسرة أو الأقارب أو الجيران أو المدرسة، فإذا أنشأ الطفل في بيئة تحترم هذه القيم، وتحافظ عليها، فإنه من الطبيعي جدا أن يلتزمها الطفل، وأن تكون صفة طبيعية فيه، والعكس كذلك، ومن هنا أحب أن أقول بداية أن ولدك ضحية تربية غير سوية، وأن هناك من اكتسب منه ولدك هذه الصفات الغير سوية، فيجب عليك بداية البحث عن المصدر الذي تلقى منه هذه الصفات المذمومة، وثانيا قد يكون سبب إقبال ولدك على هذه التصرفات المذمومة شعوره بشيء من النقص أو الحرمان، أو فقدان الثقة فيه، وقد يضطر الطفل إلى الكذب خوفا من العقاب، خاصة إذا كان قاسيا لا يتناسب مع المخالفة التي يقع فيها، أو إذا اعتقد الطفل أن الأمانة والصراحة لن تنفعه في التحقيق من العقاب، كذلك قد يلجأ الطفل إلى الكذب كلما حاول الآباء التحقق من كل عبارة يذكرها الطفل، مع التضييق عليه إلى درجة أنه لا يجد أمامه مفرا إلا اللجوء إلى الكذب، وإنه لمن الخطأ أن تلجأ إلى العقاب أو استثارة انفعالات الطفل، وذلك بأن تواجهه بقولك: (إني أعرف أنك تكذب علي مع أنني أعرف الحقيقة كاملة) فإذا فعلت ذلك أنت أو غيرك من الآباء، فقد دفعت ابنك إلى حد يتعسر معه الوصول إلى الصدق، بل الأفضل أن نقول له مثلا: (إني لأرجو يا بني ألا تخفي علي شيئا قد يساعدني على تقديم المعونة لك، وأنا على يقين أن عندك شيء تريد أن تقوله لي، فتعال نتحدث في هذا سويا ولا يشعر بنا أحد) إلى غير ذلك من عبارات الاطمئنان وبث الثقة في نفسه، واعلم أخي أبو صفية أن من دوافع الكذب والسرقة كذلك حرص ولدك على أن يظهر أمام أقرانه بأن عنده فلوس، وأنه غني، وأن أهله أغنياء، وقد يكون الواقع
كذلك الشعور بالنقص أو الحرمان، كذلك للصحبة السيئة أثرها في ذلك، وكذلك نوع التربية في المنزل، والحرص على تخبئة ما تخافان عليه، مما يدفعه لمحاولة الوصول إليه، ولعل من أهم الأسباب عدم فهم ولدك للفرق بين حقه وبين حق الآخرين، ولا يعتبر ذلك سرقة.
أما عن العلاج، فأوصيك بعد اتباع ما سبق بفعل الآتي:
1- تفهيم ولدك الفرق بين حقه وحق غيره بهدوء، وتربيته على أدب الاستئذان.
2- إنشاء مكان خاص للطفل، مثل دولاب أو صندوق صغير توضع فيه ممتلكاته؛ لإشعاره بالذات والثقة والتملك.
3- إعطاؤه مصروفا ثابتا يوميا.
4- العطف عليه، والاقتراب منه دون تدليل زائد.
5- حكاية بعض قصص عاقبة السرقة، ومصير السارقين.
6- حكاية بعض قصص جزاء الصدق والصادقين.
7- وفوق ذلك كله الدعاء بظهر الغيب أن يصلحه الله، وأن يعافيه من تلك التصرفات الشاذة، وأن يجعله من عبادة الصالحين.
مع تمنياتنا لكم بالتوفيق في تربيته، وتربية إخوانه جميعا.