السؤال
السلام عليكم
لا أعرف كيف أبدأ! أحس أني يائسة من كل شيء، ودائما أحس بالفشل وأبكي من أشياء تافهة، أنا غير مميزة في أي شيء، فقط أتميز أني شاطرة منذ كنت في الابتدائي، وليس عن ذكاء وإنما عن حفظ.
تحولت من قسمي الطب والجراحة، مع أني جئت بمعدل 5 في السنة الأولى، لأني أحسست أني غير قادرة، وعندي خوف وهم وقلق، لدرجة الاستفراغ، وصرت أحس بالفشل، لأني تركت القسم، وأتحاشى أن أكلم أو أرد على زميلاتي، وصرت أدرس في تخصص لا أحبه، فقط لأنه سهل، وأحيانا أحس بكره لنفسي، ولا أدري لماذا؟ وأتمنى الموت.
ليس لدي صديقات، ولا أحد أكلمه في الجامعة، وأحس أنه لا أحد يحب الكلام معي، وأحب أن أعيش في الخيال دائما، وأتمنى واقعا أنبسط به حين أتخيل نفسي بشكل آخر، وشخصية ثانية، ولا أعرف ماذا أعمل؟!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Razan حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتي الكريمة- في الشبكة الإسلامية، وردا على استشارتك أقول:
الإنسان هو من يصنع اليأس لنفسه، لأنه ينظر إلى الحياة بقتامة وتشاؤم، ولأن الرسائل السلبية التي يعطيها الإنسان عن نفسه يتبرمج معها عقله وحواسه، ويصعب بعد ذلك التخلص منها ما لم يجتهد في إعادة الثقة بالنفس، وإعادة برمجتها لتعود لطبيعتها.
الله تعالى أودع في الإنسان قوى وصفات، لكن الإنسان هو الذي يفعل تلك الصفات والقوى، وهو الذي يعطلها باعتقاداته وتصرفاته.
لماذا أبدع في العالم العدد القليل من الناس؟ هل لأنهم ميزوا ببعض الصفات أم لأن من حولهم أعانهم على تفعيل ما وهبهم الله من الصفات عبر الاكتشاف المبكر، والاجتهاد في تنمية تلك القدرات، وإطلاق العنان لها كي تنطلق في عالم الإبداع، وعدم كبتها بأي وسيلة من الوسائل؟
البيئة التي يعيشها الإنسان تؤثر في قدراته، فالمجتمع المتشائم لا يمكن أن يخرج مبدعين، بخلاف المجتمع المتفائل المتعاون.
التفاؤل مبدأ مهم في الحياة، ولذلك حثنا ديننا عليه، فمن النصوص التي تعلمنا وتحثنا على التفاؤل قول ربنا جل في علاه: (قل يا عبادي الذين أسرفوا علىٰ أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ۚ إن الله يغفر الذنوب جميعا ۚ إنه هو الغفور الرحيم) وقوله: (إن رحمت الله قريب من المحسنين).
من الأحاديث التي تحثنا على التفاؤل قول نبينا عليه الصلاة والسلام: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله) وقوله: (إن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) وفي الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي فلا يظن بي إلا خيرا).
لقد كان التفاؤل سمة من سمات شخصية نبينا عليه الصلاة والسلام، وهو أسوتنا وقدوتنا، كما قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، ومن صور التفاؤل وحسن الظن بالله ما جرى أثناء هجرته عليه الصلاة والسلام، إذ قال له أبو بكر رضي الله عنه، حين دخلوا في الغار وجاء المشركون يبحثون عنهما ووصلوا إلى باب الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا!، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما).
لقد كان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه التفاؤل، فعن خباب بن الأرت ـ رضي الله عنه ـ قال: ( شكونا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟، قال: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ).
كان نبينا عليه الصلاة والسلام يحب الفأل الحسن ويكره التشاؤم، فروى الإمام أحمد في مسنده أنه : ( كان يحب الفأل الحسن، ويكره الطيرة). والطيرة: هي التشاؤم بالشيء، وعند مسلم: (... وأحب الفأل الصالح)، وعند البخاري: ( ويعجبني الفأل الصالح؛ الكلمة الحسنة).
في زمن الحديبية وحين قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد قريش ليصالحوه، رأى فيهم سهيل بن عمرو، فقال عليه الصلاة والسلام: (قد سهل أمركم).
علاج اليأس والقنوط هو إعادة صياغة الحياة على التفاؤل وحسن الظن بالله، والنظر إلى الحياة بتفاؤل واستبدال الرسائل السلبية التي كبلتنا عن الانطلاق، وتحمل الصعاب برسائل إيجابية.
أمعني معي النظر في قول الصحابة حين أتي برجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من شرب الخمر، فقال الصحابة: لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به، لما كان لهذه الرسالة السلبية تأثير على نفسية الرجل تجعله يستمر في الإدمان محى عليه الصلاة والسلام تلك الرسالة بأخرى إيجابية، تعزز من ثقة الرجل بنفسه، وتدفعه نحو التغيير، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوه إنه يحب الله ورسوله)، فكيف تتصورين نفسية هذا الرجل بهذه الشهادة من النبي عليه الصلاة والسلام، ولما أتاه بعض الصحابة وكانوا قد تركوا الخطوط الأمامية للمواجهة في القتال فقال لهم من أنتم قالوا: نحن الفرارون، قال بل أنتم العكارون، يعني المنحازون إلى قائد الجيش.
لقد كان للشعر دور في شحذ الهمم واجتياز الصعاب فقال بعضهم:
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى ** فما انقادت الآمال إلا لصابر.
الحفظ نوع من التميز والذكاء، وإذا حفظ الإنسان فهم، وهل ساء فهمه في وقت حفظه أم بعد ذلك بسنين؟ إن الحفظ من أعظم ما وهبك الله تعالى، ولذلك يمكنك التميز في أي قسم درست، فلا تزدري نعمة الله عليك.
كونك حصلت على معدل (5) في السنة الأولى طب، يدل على تميزك، وأنه كان بإمكانك المتابعة، ومع مرور الأيام تصبح المواد أكثر سهولة، لأن البناء الأول هو الصعب، وأنت قد تميزت في ذلك، فأتمنى إن كان بالإمكان العودة إلى ذلك التخصص أن تعودي، لأن حب التخصص الذي يدخله الطالب يعين ويساعد على الإبداع.
الإنسان قد تواجهه في حياته بعض الصعوبات، لكنه بالاستعانة بالله تعالى يستطيع أن يجتازها.
كونك حولت إلى قسم آخر لا يعني أن تنزوي عن مخالطة الناس والتواصل معهم، فذلك أمر طبيعي، ولم ترتكبي جرما ولا إثما.
وثقي صلتك بالله تعالى، وأكثري من نوافل الأعمال الصالحة، فذلك من أسباب جلب الحياة الطيبة، كما قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك من أسباب تفريج الهموم، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر ذنبك).
العيش في الخيال لن يجدي شيئا، لأنك ستكتشفين أن ذلك مجرد سراب، وعليك أن تعيشي الواقع وتكابدي كما يكابد غيرك، فلن تصفو الحياة من الأكدار لأحد.
نسأل الله لك التوفيق في إعادة برمجة حياتك، وفق ما ذكرنا لك، وأن يهبك السعادة، إنه على كل شيء قدير.