السؤال
السلام عليكم.
أنا فتاة عمري 20 سنة، أعاني منذ الطفولة من كثرة السرحان، وهذا الأمر أثر على حياتي من جميع النواحي، فقد تدنى مستواي الأكاديمي، وتأثرت علاقتي بأسرتي، لا أدري ما الذي يحدث، لا أستطيع التركيز في صلاتي وعباداتي، لا أنتبه في المحاضرات إلا بصعوبة، أنسى كثيرا، أحيانا أتوضأ ولا أدري هل نويت الوضوء أم لا، أفعل الأشياء ولا أشعر أني فعلتها، معظم الأشياء أفعلها بعقلي الباطن بلا وعي مني.
مرة بعد أن أنهيت صلاتي عدت للسجادة لاشعوريا وكبرت وبدأت أصلي، ثم أدركت أني أصلي، وتذكرت أني قد صليت وانتهيت، إذا قلت شيئا ثم سألني أحد عن الذي قلته أو فعلته غالبا ﻻ أذكره، حاولت مرارا وتكرارا أن أترك السرحان، ولكن دون جدوى، فقد صرت أسرح لاشعوريا.
ما السبب في ذلك؟ وكيف السبيل إلى علاجه؟ أحيانا أظن أن الله خلق لي خيالا واسعا، و لم أعرف كيف أستثمره، وأحيانا أظن أني مريضة، وأحيانا أظن أن هذا يرجع للفراغ الذي أصطنعه، فأنا حقيقة ليس لدي فراغ، لدي دراسة كثيرة ولكني أنشغل بالسرحان عنها.
كل صوت أسمعه، كل شيء أراه، يذكرني بشيء يقودني للسرحان، وهذا الشيء الذي أفكر به يقودني إلى شيء آخر، والشيء الآخر يقودني إلى آخر وهكذا، حتى أني أحيانا أسأل نفسي ما الذي جعلني أفكر بهذا الشيء، فأنظر إلى سلسلة السرحان بصورة عكسية فينتهي بي الأمر إلى شيء في الواقع.
ما الحل؟ ساعدوني، فأنا في أمس الحاجة للمساعدة، وهل تحتاج حالتي أن أقابل طبيبا نفسيا؟ مع العلم أن أهلي والناس من حولي لا يعرفون أني أعاني من كل هذا، فهم يرونني طبيعية، فقط هم يشكون من أني لا أركز معهم، وأحيانا يتعجبون من تصرفاتي .
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
تقبل الله صيامكم وطاعاتكم.
كثرة السرحان وشرود الذهن وعدم التركيز تنتج من القلق النفسي الداخلي، هذا نسميه بالقلق المقنع، لأن الإنسان - كما تفضلت - يظهر طبيعيا جدا أمام الآخرين، لكن في داخل نفسه يوجد هذا النوع من القلق، وكثيرا ما يكون شرود الذهن أيضا عادة مكتسبة، فبعض الناس أصلا تبدأ معهم هذه الظواهر - أي شرود الذهن - بدايات بسيطة جدا ومن ثم تزداد، لأنهم لم يتعاملوا مع الموضوع بصورة إيجابية منذ البداية.
والسبب الثالث هو: سوء إدارة الوقت، الإنسان لا يدير وقته بصورة جيدة تجده كثير السرحان. والسبب الرابع هو: أن الإنسان ليس لديه جداول أسبقية في حياته، قد تكون له أهداف يستدركها لكن بصورة سطحية جدا، ولا يستطيع أن يميز أو يرتب بصورة منطقية الأمور حسب جدواها ويسعى في تنفيذها.
نقطة أخيرة وهي موضوع الفراغ، والفراغ ليس من الضروري أن يكون فراغا زمنيا، إنما فراغا ذهنيا، وهذا أيضا يؤدي إلى اضطرابات كثيرة في التركيز.
العلاج - أيتها الفاضلة الكريمة - يتمثل في الآتي:
أولا: يجب أن تحسني إدارة وقتك، وتكتبي برامج يومية لإدارة الوقت، وتلتزمي بها.
ثانيا: النوم الليلي المبكر، النوم الليلي المبكر يؤدي إلى ترميم كامل في خلايا الدماغ، وهذا قطعا يبعد الإنسان من السرحان وضعف التركيز.
ثالثا: قراءة القرآن الكريم بتدبر وبتمعن، وهذا يجب أن يكون تحت إشراف معلم القرآن، القرآن يحسن التركيز، قال تعالى: {واذكر ربك إذا نسيت}.
رابعا: ممارسة بعض التمارين الاسترخائية وكذلك التمارين الرياضية والتوازن الغذائي.
خامسا: الترفيه على النفس بما هو طيب وجميل وحلال.
سادسا: قراءة مواضيع قصيرة وتكرارها ثم محاولة استرجاعها من الذاكرة.
هذه هي الأسس الرئيسية التي تؤدي إلى تحسن كبير جدا في التركيز.
في بعض الأحيان نعطي دواء يسمى (بروزاك) ويسمى علميا (فلوكستين)، هو في الأصل مضاد للاكتئاب، لكن وجد أيضا أنه يزيل القلق ويحسن التركيز كثيرا عند الناس، وهو غير تعودي، وليس إدمانيا، إن استطعت أن تذهبي إلى طبيب نفسي فاذهبي، وإن لم تستطيعي فيمكنك أن تحصلي على البروزاك، لأنه في الأصل لا يحتاج لوصفة طبية، والجرعة هي كبسولة واحدة يوميا لمدة ثلاثة أشهر، ثم تتوقفين عن تناوله، وقوة الكبسولة هي عشرين مليجراما، والدواء كما ذكرت لك سليم، ولا يسبب الإدمان، ولا يؤثر أبدا على الهرمونات النسائية، ولا يزيد الوزن، والجرعة الموصوفة لك صغيرة جدا، عشرون مليجراما فقط في اليوم، علما بأن الجرعة الكلية هي ثمانين مليجراما في اليوم - أي أربع كبسولات - لكنك لست في حاجة لمثل هذه الجرعة.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.