السؤال
السلام عليكم.
بعد تخرجي من الجامعة عملت في مشروع ريادي، وكان فريق العمل مجموعة من الشباب والبنات، أعجب بي شخص وأصبح يتواصل معي كثيرا، واعترف بحبه لي، وأنه يريد أن يتقدم لي، الشاب محترم وذو دين وأخلاق، وأنا وافقت عليه لهذا السبب، لكني كنت لا أثق به؛ لأنه كذب علي مرة. هذا الشاب كان من عائلة ذات تقاليد ومنطقة مختلفة؛ قليلا ما يتم الزواج منهم من المنطقة المدنية، قبل أن يتقدم لي قلت له إني غير مرتاحة، وسوف أظلم نفسي وأظلمه، فقال: إنه راض بهذا الشيء، وسوف يجعلني أحبه.
بعد أن تقدم لي كان والداي موافقين؛ لاعتقادهم أننا نحب بعضنا، لكن كان إخوتي وأخواتي معترضين، وبعد أن تمت الخطبة أصبحن أخواتي يسببن لي ولخطيبي المشاكل، وأصبح والدي غير راض عن هذا الزواج، وزادت المشاكل، ووصلت إلى أن والدي سوف يتبرأ مني إذا بقيت مع خطيبي، بالرغم من أن الشاب كان يحبني كثيرا، وحاول بكل الطرق إصلاح المشاكل، وصبر على أهلي، إلا أني فسخت خطبتي به لإرضاء ربنا؛ لأن رضا الوالدين أهم من خطيبي.
مرت 4 سنوات على الموضوع، والشاب تزوج، وأنا حتى الآن لم أتزوج، وأشعر بأن أهلي ظلموا الشاب وظلموني، وأشعر أني ظلمته؛ لأني لم أقف معه، وبسبب ذلك لم أتزوج حتى الآن.
هل ما فعلته صحيح؟ لأنه دائما ما توجد غصة في قلبي لأني لم أتزوج حتى الآن بسبب أهلي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك –أختي العزيزة– ورزقك الزوج الصالح والحياة السعيدة والحرص على طاعة الله ومرضاته, وجزاك على حرصك -على رضا الله تعالى برضا الوالدين وبرهما وصلة الأرحام بطاعة إخوانك خيرا, وثقي أن الله لن يخذلك أو يضيعك لحسن نيتك وسلوكك , فلا تيأسي أو تقنطي من رحمة الله وقرب تفريجه لهمك وتيسيره لأمرك.
نعم, فإني أجدني متفهما لألمك، ومتعاطفا مع شعورك بالهم والضيق سلمك الله وعافاك, إلا أنه لا يخفاك أن الابتلاء الحاصل لك جزء من طبيعة الدنيا, حيث وقد طبعت على الأكدار والمتاعب, وأن الإنسان - لاسيما المسلم - مبتلى ولابد, وإما في الحال أو المآل (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).
ومما يهون عليك الشعور بالغصة والألم والقهر أو الندم على ما تتوهمين أنه خطأ وظلم في حق خطيبك أن تعلمي أن طاعتك لوالديك كان مسلكا صائبا لا علاقة له بالظلم بوجه من الوجوه ؛ لما أمر به الشرع من طاعة الوالدين, واشتراط إذن الولي بالنكاح؛ كونه يشارك المرأة في إدراك مصالحها والخوف من لحوق الأذى بها, ولا شك أن العاطفة وحدها قد تكون عاصفة, والولي قد يدرك ما قد يغيب على ابنته من إدراك العيوب ومراعاة العرف والمصلحة, ولما ذكرت أيضا عن خطيبك من تخوفك من بعض الأمور، واختلاف تقاليد والمنطقة بينكما, مما يستلزم اختلاف العادات وطريقة التفكير بينكما, وهو مظنة دخول المشكلات وفساد العلاقة الزوجية ولو بعد حين, فلا يخفاك أهمية الثقة بالزوج والطمأنينة إلى صدقه وأمانته ووفائه بالوعد وتقارب المستوى المدني والثقافي بين الزوجين, ولذلك شدد الشرع في اعتبار معايير الزواج في توفر الدين والخلق والأمانة , كما جاء في الحديث الصحيح: ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه – وفي رواية: وأمانته – فزوجوه) لتحقيق مقاصده الشرعية الواردة في قوله تعالى : (أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة).
كذلك عليك أن تستحضري أنه لا يكون شيء في الكون من المصائب والمحن إلا بقضاء الله تعالى وقدره (إنا كل شيء خلقناه بقدر * وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر)، وأن أقدار الله ليست عبثا, بل تجري وفق كمال مشيئته وحكمته وعلمه (وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما). فالإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره من الله تعالى من أركان الإيمان الستة, وله تأثير عظيم على عقيدة المؤمن وسلوكه وأخلاقه ومعاملاته فهو يملأ القلب رضا بالله تعالى وبدينه ورسوله ويجد به حلاوة لا تعادلها لذة (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف... احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ولا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا, ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل)، (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك رفعت الأقلام وجفت الصحف) فالمسلم الحق لا يندم ولا يتحسر على ما فاته ولا يفرح ولا يتفاخر بما آتاه الله تعالى (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأه إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله يحب كل مختال فخور).
وعليك أيضا أن تحسني الظن بربك ورحمته وعدله وتتذكري أن ما يختاره الله لك خير مما تختاره لنفسك (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) فوكلي أمرك إلى ربك سبحانه ولا تتبرمي أو يضيق صدرك لفوات محبوب أو نزول مكروب، فما إن ينكشف الأمر وتستبيني سر القدر إلا وجدت السرور والسكون والطمأنينة والراحة, فـ (من لم يؤمن بالقدر لم يتهن بعيشه), فما يدريك لعل اقترانك بالشاب الذي أحبك قد سبق في علم الله تعالى أنه يجلب لك التعاسة والشقاء في مستقبل أمرك لاسيما مع وكما يقال في المثل: "لو انكشف لكم الغيب لرضيتم بالواقع". فأحسني الظن والثقة بالله تعالى فربما خبأت لك الأقدار ما هو الأصلح لك, وربما تجدين – بإذن الله – خيرا منه والواقع خير شاهد على ذلك.
ومما يهون عليك –أختي العزيزة– حدة البلاء ويساعدك على نسيان الأمر استحضار ثواب الصبر على البلاء يوم اللقاء وقد ثبت في الحديث: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير, وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابه سراء شكر فكان خيرا له, وإن أصابه ضراء صبر فكان خيرا له) رواه مسلم.
والعاقل يمكنه أن يحول المحن إلى منح والنقم إلى نعم, إذا هو عمق في قلبه الإيمان والرضا بأمر الرحمن ودافع وساوس الهوى والنفس والشيطان (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم)، (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم).
أسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد والهدى والخير والصبر والثبات والرشاد, وأن يفرج همك ويشرح صدرك ويوفقك إلى ما فيه محبته ومرضاته, ويرزقك سعادة الدنيا والآخرة.