السؤال
السلام عليكم..
في بداية الأمر أجد أمورا كثيرة في حياتي لم تحصل رغم سعيي لها، ودائما لا أنجح في حياتي، فهل هذا ابتلاء؟
قدمت على الجامعة، وأبي لم يستطع دفع الرسوم لي وقتها، وقدمت بعدها مرات عديدة ولم أقبل، علما بأني أشعر بالضيق والحزن لأني لم أكمل دراستي، وقد سجلت في معهد ولكن تعرضت للظلم فخرجت من المعهد، فأصبح أبي بعدها يقول لي أني أجلب المشاكل، وبدأت أشعر أن كل شيء ضدي، وكل شيء بعكس رغبتي، دائما أجد المشاكل في طريقي، وتزوجت، وواجهت ظروفا صعبة، وتعرضت للضرب، وطلبت الطلاق، والآن أشعر بالحزن على حالي، وكثيرا ما أتصبر وأقول لعلي إن صبرت سيكون لي أجر، فهل ما أظنه صحيحا؟ وما نصيحتكم لي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ rasha حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أشكر لك – أختي – جميل ثقتك وحسن ظنك وتواصلك مع الموقع, وحرصك على موافقة الشرع في أمور حياتك ومشكلاتك عامة, فأسأله تعالى أن يرزقنا وإياك الصبر والأجر والثبات على الدين والهداية إلى صراطه المستقيم.
أما بخصوص سؤالك عن كثرة العوائق والمتاعب في حياتك – عافاك الله ووفقك – وهل يثاب الإنسان على ذلك؟
فالجواب ولا شك أن الإنسان – كما هو معلوم – مبتلى في هذه الحياة الدنيا ولابد بألوان وصور الابتلاءات الكثيرة وأنه مثاب على الصبر عليها بأحسن الثواب والجزاء من رب الأرض والسماء سبحانه وتعالى, كما قال جل شأنه : (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) , فالصبر على البلاء يرفع الدرجات ويكفر السيئات كما في الحديث : (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن فحتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) وقوله أيضا : (فما يزال البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) ويمكنك مراجعة كتاب (عدة الصابرين) للعلامة ابن القيم رحمه الله, وكتاب (لا تحزن) للدكتور عائض القرني حفظه الله, فإنهما مفيدان في هذا الباب جدا.
ومما يعين المبتلى على الصبر إدراك أن الصبر هو الطريق الوحيد للتخفيف من الابتلاء عقلا كما هو شرعا ؛ إذ ليس للمؤمن إلا أن يصبر صبر الكرام, أو يتضجر تضجر اللئام ويئن أنين بهائم الأنعام, وإدراك أن الشكوى لغير الله كما أنها تجدد مشاعر الأحزان فهي مجال لتشفي المبغضين وسوء فهم وظن وازدراء الناس وتسهم في زيادة الهموم والأسقام, ولذلك قال نبي الله يعقوب : (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) , نعم, فإنه لا بأس بالشكوى إلى أهل العلم بالشرع أو بالنفس بقدر الحاجة؛ طلبا للنصح والتذكير.
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة ** يواسيك أو يسليك أو يتوجع
أوصيك – أختي الفاضلة – بحسن الظن بالله تعالى وزيادة تعزيز الثقة بالنفس والمضي قدما في حياتك بإيجابية وفاعلية, وفي الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز, ولا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا كان كذا وكذا, ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان).
ومن المهم أيضا تنمية الإيمان بتعميق حسن المعرفة والصلة والطاعة للرحمن سبحانه, واستحضار معنى أسمائه وصفاته, ومنها (الحكم العدل الرحمن الرحيم) سبحانه وتعالى, ولهذا ورد في دعاء الهم والكرب قوله: (ناصيتي بيدك, ماض في حكمك عدل في قضاؤك), وما أجمل وأحكم قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
"ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا ** وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ** فرجت وكنت أظنها لا تفرج".
ومن المهم هنا بصدد التخلص من الضغوط النفسية والسلبية: الترويح عن النفس بالوسائل المتاحة والمشروعة, كالقيام بواجب زيارة الأهل والأصدقاء لاسيما أهل الصلاح والطيبة, والخروج إلى المتنزهات, ومتابعة المحاضرات والبرامج المسلية والمفيدة, ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: (أجموا هذه القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان).
تذكري أنه بإمكان الإنسان أن يجعل من المحنة منحة ومن البلاء والفتنة نعمة, وذلك باستحضار فضل الصبر على البلاء والشكر للنعماء والإيمان بالقدر والرضا بالقضاء وحسن الثواب والأجر يوم الجزاء, واستحضار قوله تعالى : (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
أوصيك باللجوء إلى الله تعالى بالدعاء لاسيما الأدعية الواردة في دفع الهم والحزن كقوله : (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال) وحديث : (اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك...) وحديث: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث وأصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)، وحديث: (لا إله إلا الله العظيم الحليم...) فارجع إليها في مظانها من كتب الأدعية والأذكار وأذكار الصباح والمساء للأهمية.
أسأل الله أن يفرج همك ويشرح صدرك وييسر أمرك ويرزقك التوفيق والسداد والحكمة والصواب والهدى والرشاد والزوج الصالح والحياة السعيدة الآمنة والكريمة المطمئنة.