السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سأبدأ بشرح مشكلتي، وأرجو أن أجد الحل لديكم.
زوجي رجل غيور جدا، وهذا الشيء لاحظته فيه منذ أيام الملكة، كانت غيرة عادية، ولكن بعد الزواج ازدادت الغيرة أكثر خصوصا بعد مرور سنة على زواجنا، وجدت المشاكل والغيرة ازدادت أكثر لدرجة أنه يحاسبني على حركاتي البسيطة مثل: لماذا تهزين رجلك عندما تجلسين؟ لماذا تحركين الجوال وتلعبين به بيدك؟ لماذا تسبقينني بالمشي وتدخلين مكانا كله رجال؟ والمكان خال من الرجال، علما أنه يوجد مقدمون فقط، وموظفي الخدمة خلف الزجاج، وأنا كنت أمشي معه، ورأيته يأخذ رقما لننتظر دورنا فمشيت! لكنه بعد ذلك تأخر عني ليأخذ رقما آخر.
شرحت له ذلك، ولكنه ظل يحاسبني على هذا الموقف حتى الليل، مع أني تزينت له وانتظرته بلهفه إلا أنه كسر خاطري.
دائما خلافاتنا على مشكلة الغيرة خلافات أراها تافهة، ولا تستحق، ولكنني تعبت وأنا أفهمه يقول غيرتي من حبي، وإن كانت تلك الغيرة أصبحت تخنقني وتشعرني أني مقيدة!
يقول إنه لا يتحمل أن ينظر إلي أحد، قلت ومن سيجرؤ أن ينظر وأنت معي! يراقبني ويراقب حركاتي، تعبت والله من هذه الخلافات.
ومشكلتي الأخرى أنه شخص حساس جدا، كيف أقلل من هذه الحساسية؟
أرجو أن تقدموا لي حلولا عملية، وليس كلاما مخدرا ومسكنا.
شكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك – أختي العزيزة – وأشكر لك تواصلك مع الموقع، سائلا الله تعالى أن يفرج همك وييسر أمرك، ويشرح صدرك، ويلهمك الصبر والحكمة والسداد والصواب والهدى والرشاد.
- بخصوص شكواك من غيرة زوجك, فينبغي أن تعلمي أولا أن الحياة الدنيا, لاسيما الحياة الزوجية طبعت على الابتلاء, ومما يسهم في التخفيف من مشاعر الهم والضيق, استشعار حسن الثواب والجزاء في الصبر على البلاء, وفضل الشكر على النعماء والإيمان بالقدر والرضا بالقضاء, وتنمية الإيمان بلزوم ذكر الله تعالى والدعاء والصحبة الصالحة وطاعة الله تعالى وقراءة القرآن.
لا يخفى أن الغيرة – أختي العزيزة حفظك الله – إحساس طبيعي وفطرة بشرية وظاهرة صحية مبعثها الحب للشيء والأنانية والتنافس, لكنها نوعان, فنوع ممدوح محمود, وهي الغيرة المعتدلة والمنضبط بضوابط الشرع والأخلاق, كالحرص على حدود الله تعالى ومحارمه من التعدي عليها والتجاوز لها (تلك حدود الله فلا تعتدوها), كغيرة المسلم على مصالح الدين وحقوق الناس في أعراضهم وأموالهم وأنفسهم, وفي إخلالهم بعبودية الله وطاعته, ووقوعهم في الفواحش والمحرمات, ومثل هذه الغيرة المحمودة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليغار, وغيرة الله أن يأتي المرء ما حرم الله عليه) متفق عليه, وقال أيضا: (أتعجبون من غيرة سعد؟ فوالله إني لأغير من سعد, وإن الله تعالى أغير مني) متفق عليه.
- وهناك نوع من الغيرة مذموم صاحبه, وهو الذي يكون دافعه المبالغة والإفراط في الأنانية والظنون وحب الاستحواذ والتملك للآخرين, وهذا النوع كثيرا ما تكون له آثار سلبية وعواقب وخيمة، حيث يفضي إلى سوء الظن بالآخرين، واتهامهم وإيذائهم والإضرار بهم والإساءة إليهم وإلى العداوة والتفكك الأسري، حيث يكدر العلاقة الزوجية والاجتماعية ويعكر صفوها.
- ولما كان هذا النوع نوعا من المرض النفسي يؤدي بصاحبه إلى القلق والإحباط، وعدم الشعور بالأمان والسعادة في نفسه ولمن حوله, حيث أن مبعثه خفي, ويغلب على صاحبه عدم القصد إليه, كما يصعب عليه التخلص منه إلا بتوفيق الله تعالى ومجاهدة النفس, ولذلك فإن الواجب عليك – أختي العزيزة – إزاء غيرة زوجك التالي:
- التعامل بصبر وحلم وهدوء وحكمة, والدخول مع زوجك في حوار صريح وواضح عن دوافع هذه الغيرة ومبرراتها, والاستعانة إن لزم الأمر بمن تأنسين منهم الثقة والأمانة والمروءة والحكمة في إقناعه والتأثير عليه والقبول لديه, حيث إن معرفة دوافع هذه الغيرة يمكنك على الحرص على تجنب إثارتها ما أمكن مما يسهم في التخفيف من حدتها أو إخمادها بإذن الله تعالى.
- كما ينبغي إقناع زوجك بوضعه غير الطبيعي وتغيير نمط حياته ليتوافق مع الاستقرار النفسي والعاطفي بضرورة تنمية الثقة بنفسه والثقة بالآخرين, والتحلي بالقدرة على السيطرة على نفسه, وتذكيره بخطورة هذا المرض وهذه الآفة, وبعواقب الغيرة الوخيمة ومبعثها المخالف للشرع في سوء الظن بالآخرين, والمقارنة الظالمة بهم أو الحسد لهم وعدم احترام واعتبار حقوقهم وخصوصياتهم, واتباع الوساوس والشكوك والأوهام غير المستندة إلى أدلة الشرع والعقل والواقع.
- كما ينصح الزوج الغيور بإشغال نفسه بالعمل أو التنزه أو الرياضة والخروج إلى المجتمع للتنفيس عن مشاعر الغيرة وصرفها ومدافعتها.
- كما ينصح بعرض نفسه على طبيب نفسي إذا لم تجد الحلول ولزم الأمر.
- أؤكد عليك بضرورة لزوم الصبر والتحمل وحسن الظن بالله تعالى والثقة بالنفس, وحسن المعاملة لزوجك ومراعاة غيرته والحذر من الوقوع في إثارتها ما أمكن, واللجوء إلى الله تعالى بالدعاء أن يحفظكم ويسلمكم من كل سوء ومكروه ويجمع بينكما على خير ويرزقكم الذرية الصالحة والحياة السعيدة والمطمئنة, والله الموفق والمستعان.