بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مريام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك –أختي العزيزة– وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع, ولا شك أن كتابتك للرسالة دليل على توفر القوة لديك والحرص على التخلص من مشكلتك وآلامك وعدم استسلامك لحالة المرض لديك, وهو مؤشر جيد وبداية الشفاء بإذن الله تعالى.
ما تعانينه –سلمك الله وعافاك– من مشاعر الحزن والضيق والاكتئاب بسبب عدم التوفيق بالدراسة، وتأخر الزواج، والشعور بكراهية أهلك لك حتى لجأت إلى العزلة والدعاء على نفسك بالموت -والعياذ بالله تعالى- ظاهرة منتشرة بسبب كثرة الضغوط والأزمات المتنوعة الاجتماعية وغيرها, لاسيما في مثل مرحلتك العمرية والتي يكثر فيها القلق والاضطراب.
ولذا: فإني أوصيك أولا بالاستمرار بعبادة الدعاء, والحرص على التماس أوقات الإجابة كالدعاء في جوف الليل ودبر الصلوات المكتوبات ودعاء الوالدين, واحذري من اليأس والإحباط والقنوط, فقد صح عند مسلم: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل, يقول: قد دعوت ربي فلم يستجب لي), وقال أيضا فيما رواه الترمذي: (ادعوا ربكم وأنتم موقنون بالإجابة) والدعاء له أحوال ثلاثة كما في الحديث الصحيح : (إما أن يعجل الله إجابته أو يؤخره, أو يصرف عنك به من الشر مثله) وقد قال تعالى : (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)، (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان).
- ولا عجب, فإن الله تعالى بيده ملكوت ومقادير السموات والأرض فهو المهيمن على كل شيء وهو على كل شيء قدير, فكما ابتلاك تعالى لحكمة, وذلك في رفع الدرجات وتكفير السيئات وزيادة الحسنات, حيث قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : (إذا أحب الله قوما ابتلاهم, وإن عظم الجزاء مع عظم البلاء), وفي الحديث أيضا: (فما يزال البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة).
- ضرورة الحذر –أختي الفاضلة– من العزلة, حيث ولا شك أنها تعمق من المشكلة الصحية والنفسية؛ حيث إن الإنسان مدني بطبعه, بمعنى أنه لا ينفصل عن محيطه ومجتمعه خلافا للوحوش في البرية -سلمك الله وعافاك-.
- كما ولا يجوز أن تدعي –أختي المسلمة– على نفسك بالموت, لقوله عليه الصلاة والسلام : (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به أو أصابه, فإن كان ولابد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي, وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي) متفق عليه, فأحسني الظن بالله تعالى, وتحلي بالصبر على البلاء, والشكر للنعماء, والإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره من الله تعالى, والرضا بالقضاء, واستشعار ما أعده الله تعالى للصابرين على البلاء من حسن الثواب والجزاء.
- ومن المهم هنا ضرورة مراجعة طبيبة نفسية مختصة, ومن رحمة الله تعالى أنه سبحانه: (ما أنزل داء إلا جعل له دواء) كما في الحديث الصحيح, فلا تترددي في مراجعة الطبيبة المختصة وفقك الله.
وأما بخصوص الزواج, فمازلت –حفظك الله– في عمر مبكر نوعا ما في عرف الناس وعادتهم (22 سنة), فلا مجال للقلق والاستعجال, فعسى أن تكملي دراستك, أو يعلم الله أن مصلحتك في الزواج السعيد والمبارك لم يحن بعد (وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
وأما بخصوص عدم التوفيق في دراستك, فأنصحك – أختي العزيزة – بتعزيز الثقة بالنفس وقوة الإرادة, والاجتهاد في التحصيل العلمي والمراجعة لاسيما مع زميلة مناسبة في صلاحها ومستواها الدراسي, وعدم اليأس من النجاح والتفوق, وقد صح في الحديث: (إنما العلم بالتعلم, والحلم بالتحلم), ولا شك أن تخفيف الضغوط النفسية عليك بمراجعة الطبيبة النفسية المختصة, وكذا بالترويح عن النفس بالقراءة في الكتب النافعة ومتابعة المحاضرات والبرامج المفيدة, والخروج إلى المتنزهات برفقة الأهل والصحبة الصالحة لمدافعة هذه الهموم وهذه الأحزان, وتخطيها وتجاوزها بالشعور بالثقة والأمل والطموح والتفاؤل, وإدراك أن الحياة قليلة, فهي لا تستحق هذه المبالغة في القلق والأحزان مما يسهم في تخطي عقبة الدراسة.
ضرورة مجاهدة النفس بالتركيز منك على حياتك وواقعك ومستقبلك ودينك ودنياك بإيجابية وفاعلية وتوازن واعتدال.
فرج الله همك وكشف غمك وشرح صدرك ويسر أمرك, ووفقك لكل خير وشفاك وعافاك, وألهمك الصبر والثبات والهدى والرشاد, ورزقك الزوج الصالح والحياة السعيدة في الدنيا والآخرة.