السؤال
السلام عليكم.
هل ذنوب الخلوات سبب في الانتكاسات وعدم التوفيق وحجب الرزق؟
أنا أعزب، فهل صحيح الزواج نصيب ومقدر؟ على أساس أن الله مقدر النصيب في الزواج من فتاة معينة، مع أنني أفضل البقاء بدون زواج؟ فهل هذه الفتاة سأتزوجها أم لا؟
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا وسهلا بكم، ونذكر نبذة عن بيان تحريم ذنوب الخلوات وآثارها، فقد ورد عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا) قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا ، جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم ، قال: ( أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) . صححه الألباني في " صحيح ابن ماجه ".
ولا شك أن ذنوب الخلوات لها أثر في الانتكاسة؛ فهي عنوان كبير لضعف تعظيم الله في قلب العبد.
قال ابن الجوزي:" الحذر الحذر من الذنوب، خصوصا ذنوب الخلوات، فإن المبارزة لله تعالى تسقط العبد من عينه، وأصلح ما بينك وبينه في السر، وقد أصلح لك أحوال العلانية " "صيد الخاطر" ( 207) .
قال ابن الأعرابي: "أخسر الخاسرين من أبدى للناس صالح أعماله، وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد".
ومن الآثار يخشى على صاحبه من الفضيحة أمام الخلق في الدنيا والآخرة.
قال ابن الجوزي: "وقد يخفي الإنسان ما لا يرضاه الله عز وجل فيظهره الله سبحانه عليه ولو بعد حين، وينطق الألسنة به وإن لم يشاهده الناس، وربما أوقع صاحبه في آفة يفضحه بها بين الخلق، فيكون جوابا لكل ما أخفى من الذنوب، وذلك ليعلم الناس أن هناك من يجازي على الزلل"
وقال عطاء بن أبي رباح في قوله: {يوم تبلى السرائر} [الطارق:9]: "ذلك الصوم والصلاة وغسل الجنابة، وهو السرائر، ولو شاء أن يقول: قد صمت، وليس بصائم، وقد صليت، ولم يصل، وقد اغتسلت، ولم يغتسل".
ومن آثار ذنوب الخلوات حصول الانتكاسة، قال ابن القيم: "أجمع العارفون بالله أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات".
وقال ابن رجب : "خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة بين العبد وربه".
_ طرق علاج ذنوب الخلوات:
1. بمراقبة الله في السر والعلن، فقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر رضي الله عنه: أوصيك بتقوى الله تعالى في سر أمرك وعلانيته (صحيح الجامع:2544).
2. أقلل من الخلوات: فلا تجلس وحدك، فبعض المعاصي تستثار بالخلوة، يختلي الإنسان فيقوى سلطان الشيطان عليه، فتتحرك شهوته لارتكاب المعصية.
3- الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء والتضرع إليه، أن يصرف عنه الذنوب والمعاصي.
4.- مجاهدة النفس، ودفع وسوستها، ومحاولة تزكيتها بطاعة الله تعالى.
5- تأمل الوعيد الشديد الوارد في حديث ثوبان السابق ذكره، وخشية انطباقه على فاعل تلك الذنوب في خلوات.
6- استشعار تعظيم الله ومراقبته، وأنه رقيب، ومطلع على المسلم في كل حال.
قال ابن المبارك: "الذي يهيج الخوف حتى يسكن في القلب دوام المراقبة في السر والعلانية".
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ...
خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ...
ولا أن ما يخفى عليه يغيب.
_ ثم أعلم -أخي الكريم- أن الذنوب والخطايا سواء في الخلوات أو في الجلوات هي من أسباب قلة التوفيق وحرمان الرزق.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه). رواه أحمد؛ وابن ماجه وحسنه الألباني.
وقال ابن القيم " أنها_ أي المعاصي_ سبب لتعسير الأمور، فكما أنه من يتق الله يجعل له من أمره يسرا، فالعاصي لله بسبب معصيته يجعل الله له من أمره عسرا.
_ أما مسألة الزواج من فتاة أنت ترغب بالزواج منها فعليك بذل الأسباب الشرعية للزواج منها من معرفة صلاحها وتدينها، ثم تستخير الله في ذلك، ثم تتقدم لخطبتها، فإن تمت الأمر فالحمد لله، فإن الله أراد بك خيرا، وإن لم يتم عرفت عندئذ أن الله لم يقدر لك الزواج بها، وعليك أن تبحث عن غيرها، لكن اعلم أنك لا تعلم ما لذي كتب لك إلا بعد وقوعه، فلا تظل متوقف عن الزواج حتى تعلم هل قدر الله الزواج بهذه الفتاة أم لا؟ فإن هذا من العجز ومن الأمور التي تتنافى مع الشرع والعقل، بل عليك أن تعزم على الزواج وتسلك أسبابه الشرعية، وتخرج من دائرة العزوبية.
وفقك الله لمرضاته.