السؤال
السلام عليكم ورحمة الله
فقدت أغلى من عندي في هذه الدنيا، والدي الغالي، -الحمد لله- بعدها رزقني الله بزوج صالح، لكنه عقيم، عشر سنين معاناة مع أطفال الأنابيب، لكن يعلم الله كم كنت أتألم مع كل عملية، ومع كل إبرة، وكلها كانت فاشلة، لكن الحمد لله ما كنت أشتكي لأحد حتى زوجي، كنت أبكي وأضع بيني وبينه حاجزا حتى لا يحس ببكائي، كنت أصلي وأبكي.
كنت معروفة بوجهي البشوش أمام الناس، أما لوحدي فأنا كثيرة البكاء، أشتاق للأطفال، لكن في الأيام الأخيرة صرت أفقد صبري أمام زوجي فأصبحت إذا صار جدال بيننا أبكي أمامه وأشتكيه أني مشتاقة لوالدي، ومشتاقة لأن أكون أما، وأندم كثير الندم على شكواي، لا أريد أن أشتكي لأحد غير ربي؛ لأن ما أحد يرحمني وينفعني غيره، صحيح أنا خائفة من المستقبل، لا أبناء ولا وظيفة متخرجة لي 15 سنة، لكن ما كتب الله لي تعيين.
هل بكائي لوحدي أو أمام زوجي يعتبر تسخطا على أمر الله؛ لأن ربي -الحمد لله- رزقني عافية ونعمة وفضل من عنده، لكني مشتاقة لأكون أما، وخاصة في الأعياد أبكي بعدما يخلص عيدي، وأرجع للبيت أجلس وأبكي لحالي، لكن يعلم الله لا أحد يدري وحتى زوجي، وهو جنبي ما يحس في.
لا تنسوني من دعواتكم ولوالدي بالجنة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، وأن يرحم والدك، وأن يغفر له وأن يرفع درجاته في عليين، وأن يصبرك على فراقه، كما نسأل الله تعالى أن يرزقك الولد الصالح الذي تسعدين به في الحياة، وفي الآخرة.
أختنا الكريمة: دعينا ابتداء نجيبك من خلال ما يلي:
أولا : طبع الله الحياة -أختنا الكريمة- على الكدر والبلاء، فلا منجاة من التعرض لها؛ لأنها مقصودة لغيرها، فالبلاء يظهر الصالح من الطالح، والخبيث من الطيب، والدعي من الصادق، قال الله تعالي: {ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} هي إذا طبيعة وجبلة الحياة كما قال الشاعر:
جبلت على كدر وأنت تريدها ،،، صفوا من الأقدار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها ،،، متطلب في الماء جذوة نار
فالعيش نوم والمنية يقظة ،،، والمرء بينهما خيال سار
وإذا رجوت المستحيل فإنما ،،، تبني الرجاء على شفير هار
وإذا قلبت ناظريك -أختنا- في حياتك ستجدين فيها أمورا قد أنعم الله بها عليك من مثل الزواج في حد ذاته، فهذا نعمة، ثم أكرمك الله بأن الزوج صالح، وتلك نعمة ثانية، ثم أكرمك الله بأن السبب ليس منك، ولك أن تتخيلي لو كان الأمر منك كيف تكون حياتك.
العقم -أختنا- مرض، وزوجك لا يد له فيه، فهذا ابتلاء من الله عز وجل، ولو ظللت تحمدين الله أن السبب لم يكن منك لما وفيت الله نعمه، ولك أن تتخيلي ولو للحظات لو كان الأمر على عكس ما هو عليه اليوم.
إذا علينا أن نحمد الله على تلك النعم، وأن نحذر من خطوات الشيطان، فهو يعمد إلى تعظيم البلاء وتضخيمه فوق حجمه، حتى يضيق عليك حياتك، وسيصرف ناظريك عمدا عما أنعم الله به عليك حتى يصل بك إلى هذه النفسية التي تتحدثين بها، تلك النفسية التي لن تستطيع أن تحل مشكلة ولا أن تصبر عليها.
ثانيا: لا بد ابتداء من تقوية جبهتك الداخلية، من تقوية إيمانك بالله عز وجل، من معرفة أجر الصبر على البلاء وفضله، من الإيمان بالقضاء والقدر وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلمي -أختنا الكريمة- أنك لن تحصلي على سعادة حياتك إذا لم يترسخ عندك هذا الفهم، فقد قال أهل العلم: من لم يؤمن بالقدر لم يتهن بعيش.
ثالثا: هناك قاعدة كذلك لا بد ألا تغيب عنك، وهي أن ما أنت فيه هو الخير لك حتما عند الصبر عليه، واعلمي أن العبد قد يتمني الشر يظنه خيرا ولا يدري، وقد يبتعد عن الخير عمدا وهو لا يعلم قال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم)، ولعل الله يجعل لك بعد عسر يسرا، ومن هذا الضيق مخرجا وفرجا، وقد قال الشاعر:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى * ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها * فرجت وكان يظنها لا تفرج.
رابعا: البكاء على المفقود إذا صاحبه رضا وعدم تسخط فلا شيء فيه، وعليه فلا تقلقي فإن البكاء والدعاء طبيعة في الإنسان، ونسأل الله أن يعطيك ما تمنيت.
خامسا: ننصحك أختنا بأمرين:
1- أن تأخذي بكافة الوسائل المادية المتوفرة، -والحمد لله- قد تقدم العلم كثيرا في هذا الجانب ولا زال يتقدم، فلا تيأسي -أختنا-، خاصة وكثير من الناس ظل زواجهم عشرين وبعضهم أكثر، ثم رزقهم الله بعد ذلك، نعرف -أختا- رزقها الله توأم بعد 28 عاما من زواجها، فلا تيأسي أبدا، وخذي بالأسباب واستعيني الله عز وجل.
2- لا تنظري إلى ما فقد منك، بل انظري إلى من هو أقل منك حتى لا تزدري نعمة الله، قد مات والدك رحمه الله وغيرك مات أهله جميعا في وقت واحد.
رزقك الله الزوج، وغيرك آلاف أمنية حياتهم أن يكون لهم زوج يعشن معه، بل كثير من الأخوات تموت يوميا لعدم وجود رفيق لها ولا أهل.
وعليه فكلما نظرت إلى نعم الله عليك، كلما اطمئن قلبك وهدأت سريرتك.
نسأل الله أن يرحم والدك، وأن يغفر له، وأن يرزقك المولود الصالح التقي.
والله الموفق.