السؤال
السلام عليكم
حياكم الله، وأشكركم على ما تقدمونه من الخيرات، جعلها الله في ميزان حسناتكم.
لدي سؤال وهو يقلقني جدا، فعندما كنت بعمر 12 عاما تقريبا، توفي والدي -رحمه الله- مما أدى بي لصدمة نفسية لم يكتشفها أهلي، ولكنني عانيت منها جدا، هذه الصدمة أدت بي إلى اختلاق مشاكل أدت إلى خلافات بين أفراد الأسرة، وهم لا يدرون أني سببها، وعندما خرجت من الصدمة بعد نحو 4 أعوام، أدركت خطئي وسعيت لتصحيحه، ولكني لم أنجح كثيرا في ذلك.
لا أستطيع إخبار أهلي بأني أنا من اخترعت هذه المشاكل، لأنه -وكما تعرفون- من الصعب أن تتقبل الأسرة ذلك، فماذا علي أن أفعل؟
جزاكم الله كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك – أخي العزيز – وهنيئا لك توفيق الله تعالى لك بالتوبة عن إثم التحريش بين الأسرة، فأسأل الله أن يتقبل توبتك ويغفر ذنبك ويوفقك إلى كل خير.
الذي أوصيك به أولا التسليم والرضا بقدر الله تعالى في موت والدك -رحمه الله- والدعاء له بالمغفرة، والحرص على عرض نفسك على طبيب نفسي إن عادت إليك وترددت - عافاك الله - آثار الصدمة بموت والدك رحمه الله.
كما أوصيك بلزوم التوبة الصادقة والنصوح، (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار..)، بما تتضمنه هذه التوبة من شروط الندم على الذنب وكراهيته والاستغفار منه والإقلاع عنه وعدم العودة إليه، وإدراك عظيم آثاره وأخطاره السيئة.
كون هذا التحريش نوع من النميمة وإفساد ذات البين، ويعظم خطره وإثمه كونه من قطيعة الرحم التي أمر الله تعالى بصلتها، قال الله تعالى: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم).
أبشر بأن باب التوبة مفتوح وأنه تعالى كما قال عن نفسه: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات)، وتذكر أن من شروط التوبة في الآثام والذنوب التي يصل ضررها للناس: الحرص على الإصلاح بين الخصوم، فاحرص على محاولة الإصلاح بين الأسرة والبيان للخطأ بكل الوسائل الممكنة، قال تعالى: (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم).
من شروط التوبة كما في الآية، وفيما يتعلق بموضوعك، الإصلاح بين الأطراف المتنازعة والمتخاصمة، وكذلك البيان أي توضيح الأخطاء، وذلك بالاعتراف بخطئك ما أمكن، ولكن لا يلزمك الاعتراف وأن تهتك ستر الله عليك إذا ترتب عليك ضرر كبير لا يمكنك تحمله، (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).
يمكنك بصدد الإصلاح والبيان ذكر محاسن كل طرف عند الآخر، وبيان براءته من العيوب المنسوبة إليه بغير دليل ولا برهان، واذكرهم بخير وأبعدهم عن العيوب المنسوبة إليهم في المجالس قدر المستطاع.
لأهمية الإصلاح بين الناس فقد أجاز الشرع الكذب لهذا المقصد الكريم بقدر الحاجة والضرورة، ويمكنك استشارة بعض العقلاء أهل الأمانة والثقة من الأهل، لمساعدتك في إصلاح ذات بين الأسرة، وعليك بالدعاء والاستغفار ولزوم الذكر.
وفقك الله وسددك ويسر أمرك وأصلح ذات بين أسرتك، وغفر ذنبك وستر عيبك، وحقق أمانيك وآمالك في كل خير.
وبالله التوفيق.