السؤال
السلام عليكم.
أنا شاب عشريني غير أن تقاسيم وجهي تظهرني أكبر بكثير، عشت طوال حياتي لا أقبل إلا بالمثالية والتميز، عشت كما أقراني مطلع الألفية منبهرا بالتنمية البشرية وتطوير الذات، بين عادات ستين كوفي وآراء إبراهيم الفقي، والتي حقيقة ما زادتني إلا صقلا لمثاليتي وسعيي نحو التميز.
في الحياة كما لكل جواد كبوة فإن لكل إنسان هفوة، هفوة أوجدتني بعد سنوات في عمل لا أتحمله، ولا يتناسب مع طموحاتي رغم مغرياته المادية الفوق المتوسطة، لكن أي شاب في وضعيتي الاجتماعية سيراها مغرية.
مرت بضع سنوات فبدأ التعب النفسي والإرهاق في التفكير في الماضي, واشتعلت نار الأحلام البنفسجية مرة أخرى، فأعددت العدة، وخططت للعودة إلى الفصل مرة أخرى بإحدى الأكاديميات العالمية, 3 سنين من التخطيط وادخار الأموال حتى تراءى الحلم حقيقة، لكن مرة أخرى أبت الحياة إلا أن تعاكسني, مشاكل عائلية أغلبها مادية أرغمتني على صرف مدخراتي حرصا على الأسرة، وعلى تحسين وضعها المادي.
في خضم هذه الصراعات النفسية والاجتماعية أحببت, فتاة أكاديمية كان قد جمعنا الفصل بيننا, جميلة مفكرة, حنونة من أسرة محافظة وذات وضع اجتماعي مميز ’ميسورة’, لم أعترف لها بحبي علانية؛ لأنني لم أتصالح مع نفسي بعد، ولأن أحلامي مازالت تأبى الأفول, لكن صراحة عشقها أعاد لي فكرة ثلاثي الحياة البسيطة: العمل، الزواج، والإنجاب، لكن الفرق الاجتماعي بين أسرتينا ما يزال يشكل عائقا ذهنيا من ناحيتي.
أخاف أن ألاحق أحلامي، فأخسر الحب أو أن أتشبث بالحب فأخسر نفسي؟ تكراري المحاولة سيأخذ سنوات؟ وخسارة الحب سيشكل ألما أبديا.
فما تقولون أيها السادة العلماء في أحوالي وأي السبيلين أسلك؟
بارك الله فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حمزة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك أخي حمزة في موقعك إسلام ويب، وكم سعدنا بشاب عشريني يتحدث بثقافة وأدب وعلم نفس، وهو لا يزال بعد في مبتدأ الشباب، نسأل الله أن يحفظ عقلك وأن يتم عليك النعمة.
أخي حمزة: المثالية أمر مرفوض السير خلفها لأن المدينة الفاضلة ليست قائمة إلا في أوهام من وضعوها، والحياة الأفلاطونية لا يعيش أصحابها إلى في عالم من الخيال لا شمس فيه تشرق ولا قمر يهدي.
وهذا -يا أخي- بعيد عن الواقعية التي يجب أن يسلم الإنسان زمام حياته لها.
وعليه فالتعايش مع الحياة هو الأسلم عقلا ومنطقا، فحتما ستقابل الصادق والكاذب والأمين والخائن، وستنتقل في سير حياتك بين أيام السعادة وليالي القلق، وبين شظف الحياة وبعض الرغد .
تلك حقيقة: والتعامل معها بهذا المنطلق سيدفعك إلى التصالح مع الذات ومع الحياة.
أخي الكريم: إننا ننصحك بما يلي وأنت منا بمقام الناصح لا المنصوح.
1- ضع خطة واقعية لا تتجاوز العام لتحقيق ما لا يمكن تأخيره بل وما يجب الانتهاء منه، على أن تقسم ما تريد إلى معادلة بسيطة وهي كالتالي:
ضع ورقة أمامك فيها كل طموحاتك
ضع ورقة أمامك مقسمة إلى أربع مربعات،
المربع الأول: هام عاجل
المربع الثاني: هام غير عاجل.
المربع الثالث: عاجل غير هام.
المربع الرابع: غير عاجل غير هام.
ضع كل طموحاتك في هذه المربعات وابدأ بالهام العاجل، وستجد بإذن الله قفزة في حياتك النفسية والفكرية معا .
2- الحياة تسير بالمادة والروح، وغذاء الروح لا يكون إلا بالاقتراب من الله والخلوة به، اجعل لك وردا أخي من قيام الليل ولو نصف ساعة، واجعل لك وردا من قراءة القرآن ولو صفحة واحدة، واجعل لك وردا من الذكر ولو نصف ساعة، المهم أن تستمر على غذاء الروح حتى لا يتعب البدن.
3- أريدك أن تقرأ كثيرا في باب القضاء والقدر من كتب العقيدة فهذا سيعالج بعض الأمور التي تشغلك اليوم وتشتت بعض تفكيرك.
4- للصحبة الصالحة آثار اجتماعية ونفسية وفكرية هامة، اجتهد أن تبحث عنهم وستجد بقايا ما ضاع منك بينهم.
واخيرا: الزواج أمر مرغوب فيه، ولابد من التفكير فيه، بل والسعي إليه، لكن ثبت العرش ثم انقش كما تقول العرب.
إن كنت من الناحية المادية ذا قدرة فاستعن بالله وصارح أهلها، وإن كنت في طور البناء فاستعن بالله واجتهد في تحصيل ما تبدأ به واعلم أن الله سيعينك كما صح في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم.
سعدنا بالتحدث معك يا حمزة ونرجو منك أن تبلغنا عن حالك وما آل إليه أمرك، وإننا على ثقة بأن عقلا كعقلك لن يقودك متى ما تمسكت بطاعة الله إلا إلى الخير.
وفقك الله واصلحك، والله الموفق.