السؤال
السلام عليكم.
أرجو التكرم بإفادتي حول وسائل تقوية الإرادة، حيث إنني أشعر بضعف الإرادة في كثير من المواقف، منها النظر للنساء أو تناول نوع معين من الطعام رغم أنني أكون قد عزمت على الامتناع عن أشياء كثيرة فأجد نفسي يجب أن أتوقف عنها، ومنها كثرة الشكوى للآخرين عن مشاكلي، البحث عن الآخرين لمرافقتي في حالة الخروج للسوق مثلا، عدم التفكير السلبي في الآخرين أو مقارنة نفسي بهم، حيث يزعجني ذلك وأجد أنني لم أحقق مثلهم ما أريد، الصبر على المواقف الصعبة حيث تربكني الأخبار السيئة وتجعلني أخسر كل ما قرأته من مواضيع في الصبر وحسن التصرف والتوكل على الله والرضا بالقضاء.
وأهم مشكلة لي هي عدم الصبر فأنا متسرع في كل أموري حتى أنه كان بمقدوري أن أحقق نجاحات في كثير من الأمور لو أنني تعلمت الصبر والحكمة وبعد النظر، فهل من وسائل تزيد من قوة الإرادة وقوة التحمل وتعلمني الصبر والتأني وطرق معالجة الأمور بروية وحكمة رغم ـ كما قلت لكم ـ أنني أقرأ كثيرا وأنظر إلى ذلك في جلساتي مع الآخرين، ولكن أجدني أفقدها عندما أحتاجها؟ فما هو نصحكم الكريم؟ بارك الله فيكم وفي من يدعم هذا الصفحة الخيرية وجعلها في ميزان والديكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ محسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله العظيم أن يلهمنا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا، وأن يهيئ لك من أمرك رشدا، وأن يعيننا وإياك على ذكره وشكره وحسن عبادته.
فإنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يتصبر يصبره الله، والصبر نصف الإيمان، وما أعطي المؤمن عطاء أوسع من الصبر، والله تبارك وتعالى يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب، وبالصبر ينال الإنسان العلا والرفعة، قال الشاعر الحكيم:
ألا بالصبر تبلغ ما تريد وبالتقوى يلين لك الحديد
وبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، قال تعالى: ((وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون))[السجدة:24]، والصبر يكون عند الطاعات وعلى المصائب وفي الأمور المدلهمات، ومما يساعدك على الصبر ما يلي:
(1) معرفة أجر وثواب الصابرين.
(2) القراءة عن أخبار السلف وقبلهم الأنبياء وخاصة أولي العزم من الرسل.
(3) محاولات التصبر وضبط النفس على ما تكره.
(4) المسارعة إلى الطاعات وانتظار الصلوات ومخالفة النفس.
(5) الصبر على الأقدار والرضا بحكم القهار.
وعجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛ وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.
وأرجو أن تعرف أن أكثر الناس بلاء هم الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل، وإن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب عبدا ابتلاه، فمن رضي فله الرضا وأمر الله نافذ، ومن سخط فعليه السخط وأمر الله نافذ؛ فسبحان من لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
فإذا عرف الإنسان أنه عبد لله، وأن الكون ملك لله، وأنه لن يحدث فيه إلا ما أراده الله، هانت عليه المصائب، والعاقل ينظر في أحوال أهل الأرض ويتأمل أهل البلاء فإنه يجد في ذلك العزاء ويعان على الصبر على الضراء، والصبر هو ما كان عند الصدمة الأولى، وهو الصبر الجميل الذي لا يصاحبه ضجر ولا شكوى.
والمؤمن ينظر إلى من هم أقل منه في أمور الدنيا؛ لأنه يهتدي بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم كي لا تزدروا نعمة الله عليكم).
وأرجو أن تبدأ بإزالة هذه الفكرة من رأسك، فأنت قوي الإرادة؛ لأنك تواظب على الصلاة وتؤدي الصيام فتمتنع عن الطعام والشراب، وتترك بعض المعاصي والموبقات، فإذا منعت نفسك من الطعام والشراب – وهو حلال – فكيف تضعف في أمر النساء؟
وأرجو أن تعرف أن صيانة الإنسان لعرضه تبدأ بمحافظته على أعراض الآخرين، وهل ترضى هذا الأمر لأختك أو لأمك أو لعمتك؟! فلماذا ترضاه لنساء المسلمين!؟ وحفظ البصر فيه طهارة للنفوس، قال تعالى: ((ذلك أزكى لهم))[النور:30].
واعلم أن الشكوى لغير الله مذلة؛ فلا تشكو الرحيم لمن لا يرحم، وعود نفسك كتمان أسرارك؛ فإن الإنسان إذا أكثر الشكوى جلب لنفسه السخرية والاستهزاء والشماتة، ولا تلومن أحدا على ما لم يعطك الله، وإذا صحبت القوم فاصحب خيارهم، فإن الصاحب ساحب، والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، ولا بأس من مرافقة الأخيار فإن الوحدة شر والشيطان مع الواحد، ولكن لا بأس من تعويد نفسك الاعتماد على مجهودك الخاص حتى تتقوى في نفسك عناصر الثقة، ورحم الله رجالا كان الواحد منهم يسقط خطام ناقته فلا يطلب من الناس أن يناولوه، وأحسن من قال:
ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك.
وفكر في كل أمر قد تدخل فيه، ثم صل صلاة الاستخارة إذا لم يتبين لك وجه الصواب؛ فالاستخارة طلب للدلالة على الخير ممن بيده الخير سبحانه، ثم شاور الصالحين العقلاء من إخوانك، فإذا عزمت بعد ذلك فتوكل على الحي الذي لا يموت، واعلم أنه لن يندم من يستخير ربه ويستشير إخوانه.
ولا شك أن تعلم هذه الصفات يحتاج إلى وقت ويحتاج إلى تدريب عملي، وتوجه إلى الله وحرص على طاعته، وأرجو أن تعرف أن في التأني السلامة وفي العجلة الندامة، وأحسن من قال:
قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل
ولا داعي للقلق فأنت لازلت في مقتبل العمر، وسوف تستفيد من مدرسة الحياة وتكتسب كثيرا من الخبرات والمهارات عندما تقتحم الحياة العملية وتعاشر أصنافا وألوانا من البشر.
وهذا السؤال دليل على الاهتمام، وهو كذلك مبشر بأنه سوف يكون لك مستقبل طيب بإذن الله؛ لأن الشعور بالأخطاء هو أول وأهم خطوات التصحيح والنجاح.
والله الموفق.