السؤال
السلام عليكم.
لدي مشكلة هي أنني منقطعة عن أبي لا أزوره إلا بعد عدة أشهر، فكلما رأيته أشعر بضيق لأنني بعيدة عنه في حياتي، ولم أشعر بحنانه، ولا بحبه، فهو بعيد عني لدرجة أنه لا يعرف أنا في أي مرحلة دراسية، ولا يسألني عن أحوالي ولا عن حياتي، وأخواتي من أبي دائما يقولون إنني لا أزوره، فأنا أشعر بالضيق عندما أراه.
في هذه الفترة بيننا مشاكل كثيرة مع أخواتي من أبي، وفي يوم العيد اجتمعنا بسلام، ولكن من غير ابتسامة، جلست لوحدي فشعرت بضعف وضيق، فجلست أبكي، أخبروني كيف أتعامل معهن؟ أريد طريقة تساعدني حتى لا أبكي أمامهن ولا يرون ضعفي، حتى أبي أشعر بعدم الاطمئنان من بعد المدة وأنني لا أراه دائما، فكيف أتعامل معه؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ Reema حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم المنان أن يصرف عنك كل أذى، وأن يسعدك في الدنيا والآخرة.
أختنا الكريمة: دعينا أولا نضع النقاط على الحروف.
- قد فهمنا أنك تعيشين مع والدتك أو بعيدا عن والدك.
- وأن لك أخوة من أب ولكن ما علمنا حتى لك أخوة أشقاء أم لا.
- وأن والدك لا يسأل عنك حتى تذهبي أنت إليه، وأنه لا يتابع السؤال عنك ولا يعرف أخبارك.
إذا كان ما فهمناه صحيحا فإن الحالة التي أنت فيها حالة طبيعية جدا، لأن الشعور الداخلي عنك أن والدك أعطى إخوانك ما لم يعطه لك ، وأنه ظلمك حين لم يسأل عنك، ولا شك أن الشيطان سيعظم هذا السلوك في داخلك، ويبدو أنه تضخم لدرجة أنك لا تستطيعين دفعه -نعني الهواجس الداخلية - ولا يوجد في ذاكرتك من المودة والحنان ما يعينك على ذلك.
وحين قوي الهاجس الداخلي ولم تستطيعي دفعه استسلمت له، وأصبح الهاجس أمرا واقعا، وهذا ما يفسر هروبك الداخلي من نفسك، وهروبك الخارجي من مواجهة والدك.
- أما مقامك عندهم واقتصار ما دار يوم العيد على السلام فمرده إلى أمرين:
1- النظرة الداخلية السلبية مع الشعور الذاتي بأنك تفعلين ما لا رغبة لك فيه، مع تعاظم الهاجس الداخلي، مع الخوف والقلق أن يحدث ما يسيئ إليك وأن تعجزي عن الرد.
2- طول الغياب عن الأب وعن الأخوة والأخوات من الأب لا شك يقلص من درجات الود والحنان والتفاهم، ولا شك أن الهاجس عليك أو على مشاعرك عندهم، وقد يمتنعون عن الحديث خوفا من أن يكون فيه ما يؤذى أو تتضرري أنت مما لا يقصدون.
ما مر أختنا هو التوصيف العام، وهو أمر هام جدا، أما كيفية العلاج:
1- لابد أن يترسخ في وجدانك أن محبة الوالد لك أمر فطري، هو ذاته لا يملك أن يغيرها أو يبدلها، وأن تفرقي بين الخطأ في السلوك والحب الفطري، فالبطبع لا نوافقه على عدم السؤال عليك، كما أننا نقطعه بحبه لك.
2- ستظل رهبة اللقاء قائمة ولا تكسر عادة إلا بفعل نقيض الخوف، فإذا كان الخوف قد تمثل في اللقاء فليكن العلاج باللقاء، وإذا كان الخوف قد تمثل بعدم الحديث المطول فليكن العلاج بالحديث المطول، وهكذا.
3- مع قولنا لك بأن الحب فطري إلا أننا نؤكد على أن الخطأ في المعاملة بين الوالد وأولاده قائم وموجود، وعليك فيجب أن تتوقعي ردة فعل عادية، أو تتوقعي سلوكا غير مرضي لك، وعليك أن توظفي الخطأ في إطاره العام وليس في المحبة من عدمها.
4- اجتهدي ألا تعقدي مقارنات بينك وبين أخوانك من أبيك، فالمقارنات دائما ما تصل إلى نتائج غير مرضية، وتذكري أنهم لا علاقة لهم بما حدث ولا يد لهم فيهم، كما يجب عليك أن تتوقعي أن تنشب بعض المشاكل بينك وبينهم، وهذا أمر طبيعي بين الأخوة، هم أنفسهم بينهم مشاكل، ولو كان لك بعض الأشقاء لكان بينكم بعض الاختلافات والمشاكل، المعنى أن هذه أمور طبيعية لكن سيحاول استغلالها الشيطان لصرف الأمر من كونه مشلكة في إطار الأخوة إلى أنه مشكلة سببها الأخوة غير الكاملة أو ظلم الوالد وعدم عدله أو أي شيء آخر، انتبهي لذلك ولا تكوني صريعة له.
5- نود منك أن ترسلي رسالة لوالدك فيها ما يلي:
- التأكيد على أبوته لك.
- أنك تتمنين أن تستشعري وجود الأب في حياتك.
- أنك لا تكرهيه لكنك تودي أن تحبيه كما هو شأن كل فتا .
- ثم اذكري بعد ذلك كل مخاوفك وقلقك بأسلوب ليس هجومي.
- ثم اعرضي طريقة للحل من وجهة نظرك وأخبريه أنك تريدين أن تجلسي معه بصورة طبيعية يومية، وأنك تريدين أن تشركيه في كل حياتك لتأخذي برأيه ويوجهك إلى ما يصلحك.
نرى أن هذا هو الحل الأمثل والطريق الأقوم للخروج من هذا المأزق، والله الموفق.