السؤال
الإخوة الكرام في شبكتنا الإسلامية الغراء.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرجو التكرم بإفتائي في المسألة التالية، راجيا منكم أن تتسع صدوركم لقراءة مشكلتي:
لقد كنت أعمل في بلدي الأردن، وحصلت على عرض عمل جيد في السعودية، فاستخرت الله عز وجل وتوكلت عليه، وقررت أن أستقيل من عملي وأسافر، وقبل موعد سفري بشهر توفيت زوجتي لكني لم أتراجع لأني استخرت الله علام الغيوب، بالرغم من أني في هذه الحالة سأترك طفلتي الوحيدة خلفي.
الآن -أيها الإخوة الكرام- أمضيت السنة ونصف السنة في عملي الجديد في السعودية، والحمد لله العمل جيد والدخل جيد، لكني والله في هم وانشغال دائمين، وحدثت نفسي كثيرا بأن أعود إلى بلدي، لكني كنت أصبر نفسي حتى ينتهي عقدي (مدته سنتان) لحاجتي إلى النقود، والآن فقد اتخذت قرارا في نفسي بأن أعود لبلدي بعد انتهاء العقد.
أرجو المعذرة على الإطالة لكن سؤالي هو: لقد استخرت الله عز وجل في قدومي إلى السعودية كما ذكرت لكم، وقد تيسرت أمور السفر بشكل سريع وعجيب، ولكن بمجرد استلامي للعمل بدأت عندي المشاكل النفسية (الوحدة، التفكير، الكآبة)، واستمرت طوال السنة ونصف، مع أنني حققت فوائد عظيمة من سفري مثل: الدخل الممتاز، وتعلم ما هو جديد في مجال عملي، والتفقه في الدين، والمواظبة على الصلاة في أوقاتها، وأداء فريضة الحج والحمد لله.
سؤالي الآن إذا قررت الاستقالة:
1- هل أكون قد خالفت مشيئة الله بأن أحضر لهذا البلد وحجبت عن نفسي خيرا أراده الله لي؟
2- هل أكون آثما لأنه كما يقولون في العامية (قطع رزقه بيده)؟
3- هل أصلي استخارة من أجل استقالتي وعودتي لبلدي كما صليتها من أجل قدومي للسعودية، وبذلك أكون قد تصرفت بشكل سليم؟
أرجو من حضراتكم التوجيه والنصح؛ لأني في حيرة من أمري، وأؤكد لكم -أيها الإخوة- أن حياتي في الغربة صعبة جدا وأنا أعدها بالساعات.
بارك الله فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ass حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله العظيم أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به، وأن يهيئ لك من أمرك رشدا.
فإن كل شيء بقضاء وقدر، وسفرك للمملكة قدره الله عليك، وقد جنيت من ورائه أطيب الثمار وطفت حول البيت الحرام، وأديت فريضة الحج التي كتبها الله، وقد قال عمر رضي الله عنه لأبي عبيدة في خبر الطاعون عندما قال له أبو عبيدة: (أفرارا من قدر الله يا عمر فقال: لو قالها غيرك يا أبا عبيدة؛ إنما نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت إن كان لك واد فيه جدب وخصب فإن رعيت الخصب رعيته بقدر الله، وإن رعيت الجدب رعيته بقدر الله) فإنه لا يحدث في كون الله إلا ما أراده الله، ولا يستطيع الإنسان أن يجلب لنفسه خيرا أو يحجب عنها شرا ((وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير)) [الأنعام:17]، ((وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم) [يونس:107].
وأرجو أن تعلم أن الرزق لا ينقطع إلا بالموت؛ لكنه يتحول من مكان إلى مكان، ويتغير من ضيق إلى سعة، ومن رغد إلى فقر، والله تبارك وتعالى تكفل بالأرزاق وكلفنا بعبادة الرزاق، قال تعالى: ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين)) [الذاريات:56-58]، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن روح القدس نفخ في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب)، وعبارة العامة المذكورة غير دقيقة، ولكن المسلم إذا وجد رزقا فيه خير حرص عليه وشكر الوهاب لينال المزيد.
وأهم شيء أن يكون الرزق والكسب من الحلال؛ لأن الطعام هو بذرة الفعال، وأطب مطعمك تجب دعوتك، والحلال عون على الطاعة وسبب لصلاح التربية، ولن يندم عبد يستخير ربه ويستشيره، وقد عرفت طريق الخير فالزمه، واحرص على صلاة الاستخارة في كل أمر تحتار في معرفة الصواب فيه، واسأل الدلالة على الخير ممن بيده الخير سبحانه، وهذا هو التصرف الذي تأتي بعده الراحة الكاملة والسعادة العظمى للإنسان؛ لأنه لا يندم بعد ذلك ويرضى بقسمة الله تعالى.
واعلم أن حاجة الإنسان للنقود لا تنتهي؛ فإذا وسع الله عليك فاتق الله في المال، وصل به رحمك، واستخدمه في طاعة الله ومساعدة عباده، ونعم المال الصالح للرجل الصالح، وعندما تشعر بالضيق فعليك أن تكثر من الاستغفار وتسارع إلى بيت الله الحرام، وتتوجه إلى تلك البقاع الطاهرة، وفي الأوقات الفاضلة، واعلم أن الطمأنينة والسعادة لا تنال إلا بذكر الله وطاعته، والمسلم إذا وجد مكانا يعان فيه على طاعة ربه يلزمه ويحرص عليه؛ فإن العبرة بأداء المهمة التي خلق الإنسان لأجلها، وننصحك بالمسارعة بالزواج وضم الطفلة الصغيرة إليك لتحسن تربيتها وتكتمل بذلك سعادتك.
والله الموفق.