السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بدأت بالذهاب إلى مركز لتعلم القرآن وحفظه، وحين علم والدي بالأمر منعني من الذهاب؛ بحجة أن هذه المراكز تفسد العقل وتدعو إلى التشدد في الدين، وأني إذا أردت التعلم ففي المنزل، ولكني لم أطعه فقام بمخاصمتي.
مع العلم أني لا أستطيع الاستمرار بالتعلم في المنزل، فالمركز يعينني على الالتزام والحفظ بشكل جيد وبالطريقة الصحيحة.
فهل عدم طاعتي لوالدي في هذا الأمر يعتبر عقوقا؟ وما هو حكم مخاصمة والدي لي؟ مع أنني قد حاولت الكلام معه، ولكنه لا يريد أن يتكلم معي، وهل أعتبر قاطعة رحم إذا لم أستمر بمحاولة التحدث إليه؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Maryam حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله أن يوفقك ويرزقك العلم النافع والعمل الصالح، وحرصك على طلب العلم والتفقه في الدين والارتباط المراكز الإسلامية، والبعد عن أماكن السوء دليل خير فيك وصلاح في حالك، والواجب على والدك أن يشجعك على هذا الأمر في عصر وبلد مليء بالفتن والمنكرات والانحرافات.
وبخصوص سؤالك عن الحكم الشرعي لطلب العلم، نقول لك: إن طلب العلم الشرعي نوعان:
الأول: فرض عين، وهو ما لا يسع المسلم جهله من أحكام الإسلام، وهذا واجب عيني على كل مسلم ومسلمة أن يقوم بطلبه وتعلمه.
والثاني: فرض كفاية، وهو ما زاد عن ذلك، وهذا إن قام به البعض سقط إثم تعلمه عن الباقين.
وبناء على ذلك:
- فإن كان هذا العلم ضروريا لمعرفة الحلال والحرام وما تصح به عبادتك، فهو فرض عين عليك لا يحتاج في تعلمه إلى إذن والدك مثله مثل أداء الفرائض العينية، ولا إثم عليك في عدم طاعة والدك في تركه.
- وأما إن كنت قد حصلت هذا النوع الأول من العلم وتحتاجين فقط إلى الزيادة في التفقه في الدين، فهذا النوع الثاني من العلم يحتاج إلى إذن الوالد ورضاه، وتأثمين في عدم طاعتك لوالدك في تركه.
- ومخاصمة والدك لك إن كانت على النوع الأول من طلب العلم، فلا يجوز له منعك منه ولا مخاصمتك عليه، وإن كانت بسبب النوع الثاني من طلب العلم، فله حق في ذلك، وعليك أن تطلبي رضاه وإذنه، وتعترفي بتقصيرك في مخالفة أمره، مع الاستغفار والتوبة مما حصل منك من مخاصمة له وعقوق في حقه.
لكن مشكلتك ليس في معرفة الحكم الشرعي لطلب العلم؛ بقدر ما هي كيف تقنعين والدك بأن يسمح لك بطلب العلم! والذي يظهر لي أن والدك إما أنه يجهل أهمية العلم والاستقامة على الدين، أو أنه متأثر ببعض الأفكار المنحرفة التي تنظر إلى المتدينين والدين أنه سبب في التطرف والتشدد.
ولحل هذه المشكلة عليك بالخطوات الآتية:
1. الحوار الهادئ معه مباشرة في الوقت المناسب، وإقناعه بأهمية العلم وتعلمه على يد أهل العلم.
2. إقناعه بأن المركز الذي تدرسين فيه ليس عليه شبهة تطرف أو تشدد، ويمكن ذلك من خلال إقناعه بزيارة المركز والتعرف عليه وإلى القائمين عليه.
3. إن صعب عليك الحوار معه لسبب أو لآخر، فيمكن إخبار أحد أقاربك، أو شخص ثقة يعرفه يحب العلم أن يقنعه ويحاوره ويبين له أهمية ارتباط الطالبة في مثل هذا المجتمع بالعلم الشرعي ومراكزه؛ حماية لدينها وأخلاقها.
- فإن كان السبب هو الجهل، فالأمر سهل، ويمكن إقناعه بأهمية العلم والتعلم، وبيان أنه ليس كل متدين متشدد أو متطرف.
- وإن كان السبب هو اقتناعه بأفكار محاربة للإسلام فالمشكلة ستكون أكثر تعقيدا، وربما تحتاج إلى حوارات ونقاشات كثيرة من علماء معه لإقناعه بعكس ما يعتقد، أو تركك وشأنك.
4- وفي كل الأحوال ننصحك بالصبر والتحمل، وعدم التعامل بردة الفعل معه، وتكرار المحاولة والتواصل معه، وطلب إذنه بأسلوب الاستعطاف فربما يكون له تأثير عليه.
5- كما ننصحك بالبر به، والإحسان إليه في التعامل، ليرى في ذهابك وتعلمك في المركز أثرا على تعاملك معه، واحترامك له وبرك به؛ فيتأثر بهذه الأخلاق؛ فيسمح لك في الاستمرار بطلب العلم.
5. عليك بالدعاء والتضرع إلى الله سبحانه في هداية قلب والدك وإصلاح حاله، وتيسير أمرك معه، فالدعاء له أثر عظيم في حل كثير من المشكلات.
6. لا تيأسي من ذلك، وكرري المحاولة معه بأساليب مختلفة، ومن خلال أقاربك وأخواتك وأمك، واحشدي كل ما أمكن من وسائل لذلك، بأسلوب عاطفي، وغالبا قلب الوالد رحيم ويتأثر، -وإن شاء الله-، يوافق على السماح لك بطلب العلم بالمركز، لما في ذلك من فوائد وآثار حسنة عليك.
وفقك الله لما يحب ويرضى، ويسر أمرك.