أصبحت مهموما طول الوقت شارد الذهن لا أحس بطعم الحياة!

0 24

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:

سبق لي أن استشرتكم أكثر من مرة على هذا الموقع الفاضل، وكان ردكم وافيا كافيا، جزاكم الله عنا خير الجزاء.

لكن هذه المرة مختلفة عن سابقاتها، نعم مختلفة لكونها في موضوع خطير، هو من الأهمية بمكان بالنسبة لي، والله وحده يعلم مدى حقيقة ذلك.

أصبحت أعيش في متاهة لا أعلم من أين المخرج! ضاقت علي الأرض بما رحبت، لم أعد قادرا حتى على التفكير في كيفية الخلاص، هو خلاص من عذاب طالني كثيرا منذ حوالي السنة والنصف، وأصارحكم القول أني -والله- لا أعلم ما سبب ذلك وكيف وصلت الى هذه الحال!

أصبحت مهموما طول الوقت، شارد الذهن في كثير من الأحيان، في وضع لا يطاق، ولا أحس بطعم الحياة التي كنت في وقت من الأوقات بانيا فيها أحلاما وآمالا وددت الوصول اليها ذات يوم، والتي تحولت الآن أشياء يستحيل الوصول إليها -في قرارات نفسي أفكر كذلك-.

شاب في الثامنة والعشرين من العمر، بشهادة جامعية (بدون عمل)، بالرغم من أن زملائي الذين كانوا معي صاروا كلهم بوظائف!

ومشكلتي العويصة أني لم أبحث، بل ومجرد التفكير في تقديم أسباب طلب الرزق لم أقدر ولا أطيق ذلك، ولا أعلم السبب! أهو خلل في النفسية أم أمر روحي؟! علما أني قمت بالرقية الشرعية في وقت ما ولا جديد؛ لأنه وعلى حد قول الشيخ ليس بي شيء.

ووضعي هذا تأزم أكثر فأكثر عند إنهائي لفترة الخدمة العسكرية، حيث كنت أنوي عند إتمامها أن أتقدم لخطبة فتاة كنت قد أخبرتها بنيتي هذه على أن تنتظرني ريثما أكمل، ووافقت على ذلك، لكن كل شيء تحطم عندما خرجت ووجدت ظروفا معاكسة تماما لتلك التي رسمتها وتمنيت لو وجدت وكان الطريق مهيأ لفعل ذلك .. للأسف!

لا أخفيكم أنه يحيك في صدري شيء ما يقول إنه البعد عن الله، نعم البعد عن طريق الله هو سبب كل هذا الذي أنا فيه. فرطت في جنب الله كثيرا وأسرفت على نفسي؛ ربما هو هذا.

والله لم ألجأ إليكم بعد الله إلا لحاجتي الماسة لنصحكم وتوجيهكم، عساه -جل وعلا- أن يجعلكم مفتاحا تفتح به الأبواب الموصدة، وأن يجعلكم سببا في التنفيس عني ولو بالقليل.

أود أن أشكركم الشكر الجزيل، وأدعو الله أن يبارك في علمكم وأن ينفع بكم.

آسف على الإطالة، وأرجو أن تكثروا من الدعاء لي. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ناصر الدين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أخي الكريم-، وردا على استشارتك أقول:

اعلم أن كل أمور الكون تسير وفق قضاء الله وقدره كما قال سبحانه: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له اكتب، قال وما أكتب، قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.

ربنا -جل في علاه- قد بين لنا سبل الخير وأمرنا باتباعها، وبين لنا سبل الشر وأمرنا باجتنابها، فقال تعالى: (وهديناه النجدين)، (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا)، وقد جعل الله لعباده الحرية في اختيار الطريق ولم يجبره على شيء، وقد علم الله في الأزل أن العبد سيسلك هذا الطريق أو ذاك ولذلك قدر عليه ما علمه منه.

ما يصيب الإنسان من بلاء إنما هو بسبب ما جنته يداه والله لا يظلم أحدا من خلقه، قال تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).

قد يبتلي الله العبد لينظر شكره أو ثباته، وقد يكون في ذلك الابتلاء إمهالا له لعله يتوب ويرجع، كما قال تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة ۖ وإلينا ترجعون).

السعادة في الدنيا مرهونة بالإيمان والعمل الصالح، كما قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).

ضيق الصدر والعيشة الضنكة نتيجة حتمية للبعد عن الله سبحانه، كما قال تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا).

من رحمة الله بعباده أن جعل لكل شيء سببا، ولا بد من اتباع تلك الأسباب، فالرزق يحتاج من العبد أن يسعى ويجتهد في تحصيل الأسباب مع التوكل على الله سبحانه، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا)، فانظر كيف ربط بين التوكل على الله وبين عمل السبب؛ إذ قال في الطير إنها تخرج من أوكارها في الصباح جائعة وتعود بعد ذلك وقد شبعت.

من أسباب بسط الرزق صلة الأرحام، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (من أراد أن ينسأ له في أثره، ويبسط له في رزقه، فليصل رحمه).

قم بإعادة صياغة حياتك على التفاؤل وحسن الظن بالله والنظر إلى الحياة بتفاؤل، واستبدل الرسائل السلبية التي كبلتك عن الانطلاق وتحمل الصعاب برسائل إيجابية، وأمعن معي النظر في قول الصحابة حين أتي برجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يكثر من شرب الخمر، فقال الصحابة: (لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به) فلما كان لهذه الرسالة السلبية تأثير على نفسية الرجل تجعله يستمر في الإدمان محى عليه الصلاة والسلام تلك الرسالة بأخرى إيجابية تعزز من ثقة الرجل بنفسه وتدفعه نحو التغيير، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوه إنه يحب الله ورسوله)، فكيف تتصور نفسية هذا الرجل بهذه الشهادة من النبي عليه الصلاة والسلام، ولما أتاه بعض الصحابة وكانوا قد تركوا الخطوط الأمامية للمواجهة في القتال، فقال لهم: من أنتم؟، قالوا: نحن الفرارون، قال: بل أنتم العكارون، يعني المنحازون إلى قائد الجيش.

عد إلى الله تعالى وأكثر من الاستغفار؛ فالاستغفار من أسباب الرزق كما قال تعالى: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا).

من أسباب تفريج الهموم كثرة الاستغفار، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ففي الحديث (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).

يجب أن تكون عندك همة وعزم على التغيير (إن الله لا يغير ما بقوم حتىٰ يغيروا ما بأنفسهم).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يصلح حالنا وحالك إنه سميع مجيب.

مواد ذات صلة

الاستشارات