السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أكتب لكم وأنا في حالة لا يعلم بها إلا الله من ندم ولوم.
والدي توفي الأسبوع الماضي ولم تكن علاقتي به جيدة، مرض ودخل إلى المستشفى لمدة أسبوعين ولم أذهب له لأنني لا أريد مقابلة أخي بسبب المشاحنات بيننا، وعندما رجع أبي إلى البيت لم أسلم عليه أو اسأل عن حاله؛ خجلت من فعل ذلك.
مرت الأيام وبدأ أبي يرمقني بنظرات غاضبة، وأحيانا أسمعه يدعو علي، وأحيانا كنت أشعر بالعار، وأحيانا أغضب منه.
طوال هذه الفترة لم نتحدث معا، ونحن في العادة لا نكلم بعضنا بالأشهر؛ لأن أبي كان يقضى جل وقته خارج المنزل قبل أن يمرض، وهو طبع فينا بأننا لا نتحدث مع بعضنا كثيرا، ولكن في هذه المرة كان أبي غاضبا مني.
في العيد ذهبت لمعايدته ولكنه لم يتعرف علي، لأنه بدأ بفقدان ذاكرته، ولا أعتقد أنه رآني، فقد كانت العائلة تعتني به إلا أنا، ظنا مني بأنه يمثل علينا، كنت أمر بجانبه وهو يتألم ولا أذهب له.
بعدها بأيام تغيرت، توليت أمر دورة المياه أنا وأخي الآخر لكي يستطيع أبي استخدامها بحرية، ولكنه لم يستخدمها أبدا، وفي يوم وفاته عندما نقله أخي إلى المستشفى قررت أن لا أعاود الجرم الذي ارتكبته في المرة الأولى، وهو عدم الذهاب إليه في المستشفى.
وقبل أن يتوفى بربع أو ثلث ساعة كلمت أختي وطلبت أن تتصل بأخي ليأتي ويأخذني لأظل مع أبي في المستشفى، ولكن الموت كان أسرع مني إليه، ولا أعرف إن كان قد مات أو لا عند مكالمة أختي.
فشلت في بره، وأنا الآن في حرقة وندم، هل لي من توبة أم أن جرمي لا يغتفر؟ أحس بالذنب، علما أنني أدعو له وأتصدق عنه بقدر استطاعتي، وأبر أمي قدر المستطاع.
شكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فوزي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك –أخي العزيز–، وأهلا وسهلا ومرحبا بك في الموقع، وأسأل الله لنا ولك ولوالدك الكريم العفو والرحمة والمغفرة والرضوان من الله تعالى.
جميل منك أن تقر بخطئك في التقصير مع والدك حين مرضه، إذ من الواجب الشرعي بر الوالدين بما يتضمنه ذلك من طاعتهما والإحسان إليهما، ومن ذلك إدخال السرور عليهما وخدمتهما وزيارتهما.
وجميل منك أيضا محاولة تدارك الخطأ –ولو متأخرا– فعسى الله أن يعفو عنك ويغفر لك خطأك؛ كون هذا التدارك من التوبة الواجبة، والعبرة بالخواتيم.
وأما بخصوص سؤالك الكريم: هل من توبة عن تقصيرك وإهمالك في حق والدك؟ فالجواب بأن باب التوبة مفتوح ما دمت على قيد الحياة، فالتوبة تجب وتهدم ما كان قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، لا سيما وأنك تستشعر الندم، وحرصت على المراجعة للنفس والتدارك للخطأ، فلا ينبغي لك اليأس والقنوط من رحمة الله، فالله غفور رحيم مهما أسرف العبد في المعصية والتقصير.
وإن من تمام التوبة: الدعاء لوالدك، والاستغفار له، والصدقة عليه، والحج عنه إن أمكن، وقضاء دينه إن وجد، والإحسان في التعامل مع الوالدة إن كانت على قيد الحياة، وصلة الأرحام، والالتزام بدينك، وأن تكون على النحو الذي يحبه ويتمناه والدك -رحمه الله- فيك، وقد صح في الحديث: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث... أو ولد صالح يدعو له).
أوصيك باللجوء إلى الله تعالى بالدعاء، ولزوم الذكر والطاعة، وقراءة القرآن، ولزوم الصحبة الطيبة، والثبات على الدين وحسن الخلق، والتصالح مع أسرتك عامة، وفقك الله لكل خير.
فرج الله همك، وكشف غمك، ورحم والدك، وتقبل توبتك، وغفر ذنبك، وأنزلك ووالدك الدرجات العليا في الجنة، وأحسن لنا ولكم الختام، والله الموفق والمستعان.