السؤال
السلام عليكم
أنا بعمر ٣٠ سنة، وأشعر بأني لا أستطيع التأقلم مع حياتي الحالية، وذلك قد أثر علي تأثيرا كبيرا في شخصيتي وعلاقاتي وروتين يومي ونشاطي وحتى مزاجي، غالبا ما أشعر أني لست راضية عما أنا فيه من حال، رغم نشأتي الدينية ويقيني وحمدي لله دائما، ولكن هو شيء داخلي لم أستطع التحكم فيه أو تغييره، وأسألكم عن المسار الدوائي الذي يساعدني ولا يؤثر علي سلبيا.
سبب الشعور لوم أهلي ووالدي وإخوتي الذين قد ساهموا قبل التخرج من الثانوية -فضلا عن طموحي العالي أصلا- في رفع سقف طموحي، وتجميع المال حتى أدخل جامعة وأحصل على البكالوريوس انتظام -بما أني أجنبية في هذا البلد-، وقد تخرجت ولم يساعدني أحد، كما لم يساعدني أحد في الحصول على منحة وقد كانت نسبتي ممتازة.
رغم كل شي أكملت دبلوم انتظام وبكالوريوس عن بعد، لكني غير راضية؛ لقلة الفرص الوظيفية لحامل الشهادة عن بعد، وهم يعملون على تدريس أبنائهم في أرقى الجامعات في الداخل والخارج، ولا ألوم والدي لأنهما كبرا في السن، وأرجو لهما الخير، ولكني أحملهما جزءا كبيرا من المسؤولية عدم تدريسي دراسة جيدة.
أنا ما زلت عزباء، وهما لن يعيشا لي طول حياتي، فهل أبقى عالة على إخوتي، فلا يخفى على عاقل أن كنف الأب والزوج يختلف تماما عن كنف الإخوة الذين قد لا يقصرون، ولكن لديهم أولويات ومسؤوليات زوجة وأبناء وغيره.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك، ونسأل الله أن يسهل أمرك وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يصلح الأحوال وأن يحقق لك السعادة والآمال.
نحن نتفهم المشاعر التي تنطلقين منها والكلمات التي سطرتها بيدك، ولكننا نذكرك ونذكر أنفسنا بأن الله كريم، بأن الله وهاب، فثقي في الله تبارك وتعالى وتوجهي إليه، واعلمي أن ما يقدره الله لنا خير مما نختار لأنفسنا، ولا ننصحك ولا ننصح أنفسنا بالعودة إلى الوراء، ولا بالبكاء على الأطلال، فإن اللبن المسكوب لا يمكن أن يعود، ولكن الإنسان ينبغي أن ينظر إلى الأمام، ويتعرف على النعم التي يتقلب فيها ثم يؤدي شكر هذه النعم، وتجنبي المقارنات مع الآخرين أو الأخريات.
اعلمي أن كل إنسان على وجه هذه الأرض صاحب نعمة، والسعيد هو الذي يتعرف على نعم الله عليه، وإذا قام بشكرها نال بشكرها المزيد، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يوجهنا في أمور الدنيا أن ننظر إلى من هم أقل منا في العافية، في المال، في الشهادات، في الأشكال، وفي كل أمور الدنيا، حتى لا نزدري نعم الله علينا.
أما في أمور الآخرة فينبغي أن ننظر إلى من هم أعلى لنتأسى بهم، والتنافس إنما هو في الآخرة، أما الدنيا بقليلها وكثيرها فهي هبة من الله الوهاب، وهي اختبار للإنسان، فالله يبتلينا بالغنى وبالفقر، ويبتلينا بالخير وبالشر، والشاكر مأجور والصابر عند الله مأجور، وكلا الصبر والشكر يوصلان إلى رضوان الله تبارك وتعالى.
لذلك ينبغي أن تحمدي الله على ما أنت فيه، واجتهدي وسيجتهد إخوانك ولن يقصروا -بإذن الله تعالى- في أن يجدوا لك الوظيفة المناسبة، ونحن نسأل الله أيضا أن يضع في طريقك الرجل الصالح الذي يسعدك في هذه الحياة، واعلمي أن الإنسان يستطيع أن يسعد مهما كانت الأحوال، فالسعادة ليست بالشهادات، وليست بالوظائف، وليست بالأموال، بل السعادة نبع النفوس المؤمنة بالله، الراضية بقضائه وقدره، المواظبة على ذكره وشكره وحسن عبادته.
الزمي سبيل الطاعة وتوجهي إلى الله تبارك وتعالى، واجتهدي في بر والديك وفي صلة رحمك، فإن بر الوالدين سبب في الفوز بدعائهما، وصلة الرحم سبب لسعة الأرزاق كما جاء عن النبي -عليه صلوات الله وسلامه- (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) فأحسني إلى من حولك واجتهدي دائما في أن تكوني حاضرة في تجمعات الخير، واعلمي أن الحاضرات الفاضلات يبحثن عن أمثالك لأبنائهن أو لإخوانهن أو محارمهن.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يسعدك في الدنيا والآخرة، وأن يضع في طريقك رجلا يأخذ بيدك، وأن يهيئ لك فرص السعادة، وان يبارك لك في رزقك وفي حياتك.
نوصيك وأنفسنا بتقوى الله تبارك وتعالى ثم بالاستقامة على شرعه، فإن الاستقامة على الشرع باب للتوفيق، قال العظيم ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا)، ندعوك إلى كثرة الاستغفار فإنه سبب للولد والمال والسعادة والخيرات ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا) تأملي الآيات وتوجهي إلى رب الأرض والسموات، ولا تخافي من المستقبل فإن الأمر بيد الله تبار وتعالى، والإنسان عليه أن يحسن في التوكل على الله، والاستعانة به ثم يفعل ما عليه، فالمؤمن يفعل الأسباب ثم يتوكل على الكريم الوهاب.
نسأل الله أن يقدر لك الخير ثم يرضيك به، سعدنا بتواصلك وأرجو أن يستمر هذا التواصل فجميعنا لك في مقام الآباء والإخوان، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.