أفكر بطلاق زوجتي بسبب المشاكل لكني أخاف على أولادي، فما نصيحتكم؟

0 35

السؤال

السلام عليكم.

بعد زواجي بأسبوعين طلبت زوجتي السفر إلى أهلها، فوافقت لأني أدرك أنها للتو قد خرجت من بيت الأسرة، وتشتاق لهم بالتأكيد، وبعدما رجعت بأسبوعين طلبت السفر مرة أخرى، فبينت لها أنها للتو قد رجعت من بيت أهلها، ولا توجد لدي إمكانية مالية الآن، فقالت لي إنها لا تحبني، وقامت عن سفرة العشاء، وتركتني بدون سبب.

منذ ذلك الموقف الذي حدث قبل خمس سنوات وأنا لا أطيقها، وأصبحت جافا معها جدا، ولا أتودد لها ولا أعطف عليها، مع مطالبتها لي بذلك، ولكن إحساسي متبلد جدا تجاهها.

الآن هي تطلب الانفصال، وأود أن أطلقها صراحة لأرتاح وترتاح هي أيضا من المشاكل شبه اليومية، علما أن لدي طفلين أحبهما جدا، ولا أستطيع التخلي عنهما أبدا، وهذا ما يوقفني عن الطلاق.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو يوسف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:
إن المرأة صاحبة مشاعر جياشة تحركها العواطف أكثر من العقل، ولذلك ينبغي على الزوج أن يعي ذلك، فيراعي مشاعر زوجته، ويتعامل معها بلطف، وهذا لا يعني أن ينحني لها في كل ما تطلبه، ولقد أمرنا الله أن نعاشر النساء بالمعروف، فقال: (وعاشروهن بالمعروف)، وأرشدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الأمر فقال: (رفقا بالقوارير) وقال: (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله) وقال: (واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا ).

لقد أمرنا عليه الصلاة والسلام بمداراة الزوجة حتى تستمر الحياة، فقال عليه الصلاة والسلام: (فدارها تعش بها)، ومعنى المداراة: المجاملة والملاينة.

من الأحاديث في الإحسان التعامل مع النساء قوله عليه الصلاة والسلام: (خياركم خياركم لنسائهم)، فمن الخطأ أن تجد بعض الأزواج يحسن التعامل مع الناس خارج البيت، ويهش ويبش في وجوههم، ويتلاطف معهم ويتحمل أذيتهم، ولكنه مع أهله قاس فظ غليظ!

من أساليب حسن التعامل مع الزوجة الرفق بها وخدمتها، وتخفيف الأعباء عنها، فعن الأسود قال: سألت عائشة: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله - تعني خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.

ومن ذلك غض الطرف عن هفواتها ومسامحتها، وعدم الأخذ بالخاطر منها، فقد تكون معذورة في كثير من تصرفاتها، فهي بشر وليست حديدا ولا آلة، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (شدة الوطأة على النساء مذموم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بسيرة الأنصار في نسائهم، وترك سيرة قومه).

لعلك تدرك أن المرأة إذا غضبت تفقد السيطرة على نفسها، وينغلق عقلها ويسوء تفكيرها، وهذه حال كثير من النساء، والسبب في ذلك طغيان العاطفة عندها، وفي حالتها هذه لا تحسن المجادلة، كما قال تعالى: (أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين)، ولذلك قولها حين رفضت أن تأخذها إلى بيت أهلها إنها لا تحبك لم يكن نابعا من قلبها، بدليل أنها لا تزال في عصمتك، ولم تطالبك بالطلاق، ولم تتخل عنك، فليس من العدل أن يبقى قلبك حاقدا عليها لمدة خمس سنوات، بسبب هذه الكلمة غير المقصودة!

أوصيك -أخي الحبيب- أن تسامح زوجتك وأم أولادك عن تلك الهفوة غير المقصودة، وأن تحسن إليها، بل وأن تطلب المسامحة منها على الجفوة طيلة هذه السنين، وانظر كيف هي صابرة عليك رغم شدة تعاملك معها، أليس هذا دليلا على محبتها لك؟

ليس من العدل أن ترى زوجتك قائمة بأعمال البيت وترعى أبناءك على الوجه الأكمل، وتقوم بخدمتك، وتمكنك من قضاء وطرك، ثم تتعامل معها بهذه الجفوة.

أخي الحبيب: الطلاق ليس حلا، بل إنك وأبناءك ستكونون أكثر المتضررين من ذلك، فاحذر من أن تهدم بيتك بيدك، واحذر من وساوس الشيطان الرجيم الذي يملأ صدرك بالحقد على زوجتك، ويضخم هذا الخطأ؛ لأن مما يسعى إليه هو هدم البيوت.

انظر في الصفات الجميلة التي عند زوجتك، وقارنها بهذه الزلة، ستجد أن هذا الخطأ لا يساوي شيئا، بل هو قطرة في بحر، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، والعبرة في الإنسان كثرة الحسنات والصفات الجميلة -بارك الله فيك-.

كن رحيما رفيقا بهذه المرأة، وعاملها بما تحب أن تعاملك به، فالرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه،
هي تطالبك أن تعاملها بالحسنى، وأن تتكلم معها بالكلام العاطفي، وهذا يعد ضعفا منها وانكسارا وتذللا، ألا يكفي هذا -بارك الله فيك-؟ فارحم ضعفها، واحتسب الأجر عند الله سبحانه.

أنا على يقين أنك لو أحسنت إليها، وتعاملت معها بلطف بعد هذه المدة، وبكلام الحب والعطف وحسن الخلق، ستكون أبر امرأة لك، وستنتقي عبارات التخاطب معك، وتكون في قمة الرقي -بإذن الله- في التعامل معك.

التعامل معها بقسوة سينعكس على أبنائك، سواء في غلظتها في التعامل معهما نتيجة الضيق الذي تعاني منه، أو حين يرونك فيما بعد وأنت تعاملها بهذه القسوة، ولعلهما يرونها وهو تبكي وتئن من سوء تعاملك؛ فيتعقدان منك -لا قدر الله-.

أوصيكما بالاجتهاد في العبادات، وتقوية إيمانكما، فذلك هو صمام أمان الحياة الزوجية، وجالب للسعادة، كما قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).

تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد لله، وسل ربك أن يصرف عنك وساوس الشيطان، وأن يقذف في قلبك حب زوجتك، وأن يؤلف بين قلبيكما، وأكثر من دعاء ذي النون (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله أن يؤلف بين قلبيكما، وأن يسعدكما إنه سميع مجيب.

مواد ذات صلة

الاستشارات