السؤال
السلام عليكم.
لا أدري كيف أبدأ كلامي؟! ولكن تعبت من نفسي، وحالي، ابتليت بذنب لا أستطيع تركه وكلما تبت منه رجعت إليه، وأثناء فعلي له أشعر أني مغيبة ولا أستطيع أن أفكر بشكل صحيح، صار لي خمس سنوات وأنا أحاول ترك هذا الذنب، ولكن دون جدوى!
جربت كل شيء ولم أستطع، أريد أن أري الله مني خيرا، وأعلم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فكيف أغير ما بنفسي؟ لا أفكر بالتوبة إلا بعد انقضاء شهوتي من الذنب، وأشعر أني منافقة ولا أحب الله، وكاذبة معه وأنقض عهودي، ويظن الناس بي خيرا، والمدح يحوطني من كل جهة، ولكن المرء نتاج خلواته وأنا خلواتي مخزية!
أنظر إلى المحرمات، وأفعل ما لا يرضي الله، لا رادع لي، أفكر في الموت فأتأثر، وما هي إلا دقائق وأقع في الذنب، وبعد كل ذنب أفعل طاعة على أمل أن أتبع السيئة الحسنة تمحها، ولكن أشعر أني كاذبة عندما أفعل هذا.
أشعر أني سأكون من أول من تسعر بهم النار، لأني أنصح الناس بما لا أفعل، وأدلهم على الله ثم أهوي في قاع جهنم، حينما أخلو بمحارم الله أنتهكها.
كرهت نفسي ولم أعد أشعر بالندم، وفي نفس الوقت لا أريد أن أجعل الشيطان ينال ما يريد من جعلي أيأس من التوبة، وإلى آخر لحظة أحاول أن أستمر على الطاعات وعلى الدعاء والاستغفار، ولكن لا وجه لي، أين ماء وجهي؟!
والله إني لأخجل من الدعاء فأكتفي بالسكوت والصمت؟ كيف لمن تحفظ كتاب الله أن تفعل هذا وتجعل الله أهون الناظرين إليها؟ كيف لمن هي معلمة الناس الخير أن تكون وقحة مع الله بهذا الشكل؟
أرجوكم انصحوني ماذا أفعل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أميرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك - أختي العزيزة - وأهلا وسهلا بك في الموقع، أسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وموجبات رحمته، وعزائم مغفرته والتوبة النصوح والثبات على الدين والهداية إلى الصراط المستقيم، آمين.
أهنئك على ما من الله به عليك من حفظ كتاب الله وتعليم الخير، وحرصك على التوبة فيما ألمسه منك من نية صادقة تضمنتها لغة رسالتك القوية الكريمة، فثقي - ابنتي الطيبة- حفظك الله ورعاك، أنك على خير ما دمت متألمة من ذنوبك كارهة للشر والمعصية، محبة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين والطاعات، فقد صح في الحديث:(من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن) صححه الألباني.
الواجب عليك - أولا - عدم الترك للطاعات والاستغفار أو اليأس من التوبة ورحمة الله؛ فإن هذه أمنية الشيطان منك، وهو ذنب أعظم من سائر الذنوب والمعاصي، لأنه طريق المعاصي وسخط الله وعقوبته وناره، فمن مقتضى العقيدة والإيمان حسن الظن بالرحمن ومحبته ورجاؤه واستحضار كمال أسمائه وصفاته، وعدم اليأس والقنوط من رحمته سبحانه، (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون).
قد ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله:(ود الشيطان لو ظفر من أحدكم بإحدى اثنتين:العجب والقنوط)، فالابتلاء بالوحدة منهما تعيق عن الاستمرار عن الطاعة فلا تحمله على تطلب الخير والكمال، ولا يخفاك أن فضل الله عظيم ورحمته واسعة، فالسيئة بمثلها أو يعفو والحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
لذلك فمن المهم إغاظة الشيطان وإرغامه بلزوم الطاعات والإصرار على التوبة النصوح، بما تتضمنه من لزوم الاستغفار وكراهية المعاصي وأهلها ومحبة الصلاح والصالحين، وقد صح في الحديث: (يحشر المرء مع من أحب)، (أنت مع من أحببت).
- وفي سبيل تقوية الإرادة على ترك المعاصي فلابد من تقوية الوازع الإيماني بتعميق الإيمان بالمحافظة على الفرائض والإكثار من نوافل الصلاة والصدقة والصيام لما فيها من تهذيب النفس وتطهير القلب والتوفيق لحسن الختام، (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما.)
من ذلك أيضا لزوم قراءة القرآن الكريم والأذكار والصحبة الطيبة وطلب العلم النافع والعمل الصالح واستماع المحاضرات والبرامج النافعة والإكثار من قراءة كتب التفسير والمواعظ وفي كتب قصص التائبين.
بصدد طرد وساوس الشيطان لترك الدعاء والطاعات فإني أوصيك بضرورة تعلق قلبك بالله تعالى والاستعانة به والتوكل عليه واستحضار عظمة الله تعالى وفضله وثوابه وعقابه ولذة الطاعة وشؤم المعصية، وهو ما تدركينه من خلال سؤالك وحالك {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا}.
احرصي - رعاك الله أيتها الفاضلة - على التحلي بقوة الإرادة والعزم والثقة بالنفس، وقدرتك على التخلص من ذنوبك وعدم خذلان الله لك، (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم)، وقد صح عند مسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان ).
من المهم في هذا الشأن أيضا: المبادرة إلى الزواج والبعد عن الأسباب والوسائل المهيجة والمثيرة للشهوات المحرمات من أصدقاء السوء ووسائل التواصل والإعلام ونحوها والحرص على عدم الاختلاء بالنفس ما أمكن.
الفراغ سبيل المعاصي والفساد، والنفس إن لم تشغليها بالحق شغلتك بالباطل، فلابد من شغل الوقت بالقراءة والدراسة والعمل والنزهة والرياضة والزيارة ونحوها.
احذري أن تنقطعي عن اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء، فما يدريك لعل دعوة من قلب خاشع يستجيب الله لها ولو بعد حين، فالتمسي الأوقات الفاضلة (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء).
أسأل الله أن يرزقك التوفيق والسداد والهدى والخير والرشاد والزوج الصالح والذرية الصالحة والحياة السعيدة في الدنيا والآخرة.