السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرى من أبي إكراما لإخواني علي، وأنه يعطيهم ما يحتاجون، حتى أنه زوج اثنين منهم، لكن فيما يتعلق بي وبما أني طالب وأحتاج مصاريف يومية، فإنه يمتنع دوما من إعطائي تكاليفي اليومية الكافية، وفي حالة إعطائي بعضا منها فإنه يكون بعد مساءلة، ومن وأذى في بعض الأحوال، مع أنه رجل متدين جدا.
في هذه الحالة، ولأني أكره أصلا الإهانة والسؤال فإني رأيت أن أقاطع مال أبي، وأن أبحث بنفسي عن مصدر عيش، وسكنت بعيدا عن أسرتي على حسابي، حتى أشعر أبي بأني غير راض عن تعامله معى، رغم أن لديه من المال ما يكفي وزيادة، فهل مقاطعتي له من العقوق؟ رغم أني أزوره كل أسبوعين، لكني لم أستطع أن أبش في وجهه، بل يراني عبوسا دائما، وذلك لما في نفسي من الظلم والشعور بالحرمان والتهميش، علما أنه لم يكن يدفع من مصاريفي إلا ما يتعلق منها بالدراسة فقط، هذا إن دفع عني شيئا أصلا.
فما هو الموقف والتوصيف الشرعي لهذه الحالة؟ وما هي نصيحتكم لي وما هي نصيحتكم له؟ جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في استشارات إسلام ويب، الوالد -أيها الحبيب- حقه على ولده كبير، فقد عظم الله سبحانه وتعالى من شأن الوالدين وأكد الوصية بحقهما، وقرن سبحانه وتعالى حقهما بحقه، فقال سبحانه في كتابه الكريم: (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) وجعل الوالد أوسط أبواب الجنة، يعني أفضل أبواب الجنة، هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث، وأمر بالإحسان إلى الوالدين وإن كانا كافرين يبذلان ما يقدران عليه من الأذية للولد، فقال سبحانه:( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا)، فنهى الله عن طاعتهما في الكفر، ولكنه أمر بمصاحبتهما بالمعروف حتى لا يتوهم أنه يجوز الإساءة إليهما ما داما كافرين، وما داما يؤذيانه ويحاولان أن يقع هو في الكفر، فحتى لا يتوهم هذا كله، أمره بمصاحبتهما بالمعروف مع كفرهما، ومع شدة إيذائهما للولد، وهذا كله تأكيد على حق الوالدين، وما يلزم الولد من البر بهما والإحسان إليهما، فإن الوالد فعل خيرا كبيرا لهذا الولد لا يستطيع أن يكافئه بمعروفه هذا مع ما فعل.
فلذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: "لا يجزي ولد والدا" لا يستطيع أن يكافئه، فإنه كان السبب في وجوده لهذه الدنيا، وفي هذه الحياة، فكل خير يصل إليك من الله سبحانه وتعالى في العاجل، وكذلك كل خير يصل إليك في الآجل في دار السعادة، كل ذلك سببه الوالد الذي تسبب في وجودك.
هذه المقدمة أيها الحبيب نريد من خلالها أن نؤكد في نفسك عظيم حق الوالد، وأن لا يحاول الشيطان أن يزين لك الإساءة إلى الوالدين تحت ما ذكرت من المبررات، فإن الوالد يلزم أن ينفق على ولده إذا كان صغيرا، أو كان كبيرا عاجزا عن الكسب، أما إذا كان كبيرا قادرا على الكسب، فإنه لا يجب على الوالد أن ينفق عليه، وعلى الولد أن يسعى لكسب رزقه، بل يجب على الولد في هذه الحالة أن ينفق على الوالد إذا كان فقيرا، ولو كان الوالد يقدر على العمل.
وأما ما ذكرته من تمييز الوالد بين الأبناء، فربما كان هذا التمييز بسبب الحال التي تدعو إليه، فربما بلغ بعضهم سن الزواج، فاحتاج أن يعينه على الزواج ليتزوج، وأنت لا تزال في سن الدراسة، وربما لغير ذلك من الأسباب، فينبغي أن تتلمس العذر لوالدك، وأن تبحث عن الجوانب المضيئة في حياته، وفي إحسانه إليك حتى تغرس في قلبك حبه وتعظيمه ويقوى في نفسك العزم على الإحسان إليه، والسعي في مكافئته بمعروفه، وأن لا تدع الشيطان يتسرب إلى قلبك ويزين لك أنك قد ظلمت، وأنك قد هضمت، إلى آخر ما هنالك.
وكونك تستغني عن مال والدك هذا ليس عقوقا، لكن لا يجوز لك أن تعبس في وجهه، ولا أن تكلمه بكلمة يتأذى منها، فقد نهى الله سبحانه وتعالى عن قول أف، ولو كانت هناك كلمة أصغر منها في الأذية لنهى الله تعالى عنها، وقال سبحانه وتعالى:(وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما).
أسأل الله بأسمائه وصفاته أن يوفقك بكل خير.