السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحبائي في الله، أشهد الله العلي الجليل على حبي لكم من أعماق قلبي.
أنا شاب في مقتبل العمر، تربيت على دين الله -عز وجل- وحفظت كتابه وأنا في التاسعة من عمري، وقد يسر الله لي الخيرات أيما تيسير، فأنا أعجمي ولكن ربي امتن علي بالعربية الفصحى، وعلمني العقيدة الصحيحة وسكن التوحيد قلبي، فقلبي يتهلل حين يوحد الله -جل وعلا- ويشمئز حين يشرك به.
ولكن صارت عندي مشاكل مع أحد أفراد عائلتي وانجرفت من حينها إلى اكتئاب شديد جدا، وصرت وحيدا، ولقد أدمنت على الأفلام وما تضمه من الخلائع والخزعبلات، والمجتمع في مدينتي يعرفون عني حفظي لكتاب الله ووجودي الدائم في المسجد، ولكني مستحي من لقاء الله -عز وجل- حتى بعد توبتي، وهذا القلق أضر بي وجعلني شبه يائس من حالتي، فأنا محتار جدا إذ أحس بالنفاق فلا أهلي يعرفون عن خلواتي ولا أصحابي.
ولقد قوي هذا الخوف واشتد عندي حين قرأت (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)، يؤرقني تصور خجلي حين أقف أمام سيدي ومولاي ويطلعني على خلواتي فلا أدري بماذا أجيب؟ وهذا أثر في دراستي أيما تأثير، فبعدما كنت آخذ الرقم الأول في الصف كل مرة صرت غير مهتم بأي شيء، ولا أبالي بحياتي، وأشعر أني في سقوط حر نحو غضب الله.
آسف على الإطالة، ولكن هذا ما في قلبي فاعذروني بارك الله فيكم وفي أوقاتكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عاصم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخي الكريم-، ونسأل الله أن يصلح حالك، والجواب على ما ذكرت:
نحمد الله تعالى الذي وفقك إلى العقيدة الصحيحة، وحفظ القرآن الكريم، والمحافظة على الصلاة، وهذه نعم عظيمة تحتاج منك إلى شكر الله عليها، والاستمرار في الحفاظ على هذا الخير.
كونك وقعت في الذنب، ولم يطلع عليك أحد، فهذا من نعمة الله عليك لأنه سترك، ولا ينبغي أن تحزن، ولا تستجب لداعي الشيطان الذي يريد أن يجعلك كشخصية متناقضة أمام الناس أنك من الصالحين، ولكن تقع في الإثم، واستعذ بالله من شره، ولا تطل التفكير في الأمر، وأحمد الله على نعمة الستر، وأسأل الله أن يديهما عليك.
وبما أنك قد تبت إلى تعالى، فهذا علامة على أن الله أراد بك خيرا، لأنه هو الذي وفقك إلى التوبة، وأعانك عليها، وأبشر بخير، ولا تستحي من لقاء الله، فإنه سبحانه وتعالى، غفور رحيم، يقبل من جاء إليه تائبا، فلا تقنط من رحمة الله، ولا داعي لليأس والقلق والحزن، وأما تذكرك لقوله تعالى: "ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" ولكن إذا قرأت الآية قبلها "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره" فاجمع بين الخوف والرجاء، وأنت قد تبت إلى الله ترجو من الله القبول والمغفرة، وفي المقابل تخاف من أن يعاقبك على ذنبك ولو كان مثقال الذرة، ولذلك تبت إلى الله حتى لا تعاقب، وهذا الآية إنما هي لمن جاء يوم القيامة ولم يتب مما جنى، ولم يكن مصلحا لحاله، وأنت على العكس تماما، قد تبت وعدت إلى الصلاح والتقوى.
وصيتي الأخيرة لك حبيبنا الغالي، من الآن فصاعدا عد إلى حياتك بشكل طبيعي وانس ما كان في الماضي من ذنوب؛ لأنها قد محيت عنك -إن شاء الله- بعد توبتك إلى الله، فأمامك مستقبل مشرق، واستأنف حياتك بالتفاؤل، وأحسن الظن بالله، وتوكل عليه وأكثر من الدعاء بأن يثبتك الله على الحق، وأن يوفقك في دراستك، وأكثر من الاستغفار، ومن قول لا حول ولا قوة إلا بالله، واجتهد في أن تطلب العلم الشرعي حتى تصلح من حالك، وأحذر من مجالسة رفقاء السوء فهم السبب فيما وقعت فيه في الماضي، وجالس الصالحين، وعلم غيرك القرآن الكريم، وكن مصلحا، وأبشر بخير -بإذن الله-.
وفقك الله لمرضاته.