السؤال
السلام عليكم
أنا شاب مقبل على امتحان البكالوريا، والذي سيكون بعد ثلاثة أشهر، وفي بداية السنة الدراسية كنت أحس بأنني موهوب جدا، وأحس بضيق الوقت وقلته مع أن حياتي كانت منحصرة على الدراسة فقط، ولا أمارس أي نشاط آخر، لكن بعد أن تم الإعلان عن تأجيل البكالوريا قبل شهر تقريبا أصبت بالكسل الشديد بعد أن كنت حريصا ومليئا بالإيجابيات والتحفيزات والطموح.
أصبحت منشغلا فقط بمشاهدة الرسوم المتحركة ليلا ونهارا، اعتبرتها كبديل عن الأفلام التي لا تخلو من كشف للعورات، كما أني عدت للعادة السرية التي أكرهها وأريد التخلص منها.
أصبحت أبذر في وقتي تبذيرا على عكس طبيعتي الطامحة للإنجاز، وفي كل مرة أعجز عن التخلص من هذه الحالة أكره نفسي أكثر، مع إحساسي بالتقصير في جنب الله، وأنني لم أغتنم رمضان كما يجب، ففي كل مرة أنهض متفائلا بالانتصار على شهواتي أعود إليها، أشعر الآن أني أقود حياتي للدمار، خصوصا علاقتي مع ربي، وأحيانا يراودني خوف لا مبرر حقيقي له.
علما بأنني -والحمد لله- من المتفوقين ولست اجتماعيا حقا، وقد توفي والدي وأنا بعمر 11 وإخوتي يريدون بيع البيت كاملا واقتسام المال، غير أن هذا يعود بالضرر علي وعلى أمي وأختي الصغيرة، فلا مكان نذهب إليه، وقد عكفوا على أذيتنا منذ وفاة والدي حتى نترك لهم البيت.
أحيانا أظن أنني أشاهد الرسوم المتحركة للهرب من الواقع، وما يزيدني حزنا دنوي لهذه الحال رغم أن أمي وكثيرا من أساتذتي يعلقون علي آمالا كبيرة، خصوصا أبي كان حريصا علي، أشعر أنني أبدد نعم ربي، وألازم البيت كثيرا.
أنا شاب يدرس وليست لي وظيفة، غير أن إخوتي يحاولون الاستيلاء على البيت الذي تركه والدي المتوفى عندما كنت في سن 11، أنا و أمي وأختي الصغيرة ليس لنا مكان نذهب إليه، وبذلك أشعر بالواجب في تأمين سكن لائق.
أنا الآن لا أدري أأركز على طلب العلم أم يجدر بي تأمين البيت وحماية أهلي؟ وإن كان علي تأمين البيت فكيف لي ذلك؟ وأنا مجرد طالب علم بعيد كل البعد عن الظفر بعمل لائق، ولست اجتماعيا، وألازم البيت كثيرا، لكنني تمكنت من جمع مبلغ 1554 دولار منذ كنت صغيرا، وليست لي دراية بالتجارة، فما هو السبيل لكسب مال حلال يكفيني لتأمين منزل؟ لست أدري ماذا أفعل في هذه المرحلة، ومن أين أبدأ وكيف أفعل؟!
خصوصا أن الحاجة لمنزل ملحة جدا، فانصحوني، بارك الله فيكم، فأسعار المنازل في الجزائر نحو 80 ألف دولار، وأرفض أن أمد يدي، أو أن يشفق علي أحد.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك – ابننا الفاضل – في موقعك، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يرحم الوالد، وأن يرزقك بر الوالدة، وأن يهدي إخوانك الكبار لأحسن الأخلاق والأعمال، وأن يصلح الأحوال، وأن يحقق لنا ولكم السعادة والآمال.
أرجو أن تعلم أن نجاحك في البكالوريا، وتحقيق التفوق مفتاح كبير للنجاحات الأخرى التي ستصل إليها الأسرة، بتوفيق الله سبحانه، فاحرص على أن تعود إلى طريق الطاعة لله والاجتهاد في دراستك، وتجنب تضييع الوقت بالطريقة المذكورة، واعلم أن الإنسان ينبغي أن يستمر على علو الهمة، وتأجيل الاختبار لا يعني أن يتوقف الإنسان عن المذاكرة، وعن تجويد دراسته، وتكثيف المراجعة فيها.
أما مسألة العمل ومسألة التأمين: هذه الأمور كلها تحقق إن شاء الله بعد انتهائك من امتحان البكالوريا، ومنذ الانتهاء؛ وعندما تنتهي من آخر امتحان، بعد ذلك سيكون التفكير مختلفا وبطريقة مختلفة، وأعتقد أن البيت إذا كان بيت ميراث فسيكون لك وللشقيقة وللأم نصيب مقدر من المال، عندها ينبغي أن تتشاور معنا ومع العقلاء والفضلاء من أخوالك والحاذقين والصلحاء ممن يعرفون ظروف البلد هناك، في ماذا ستفعلون في الأموال التي ستكون نصيبا لكم في الميراث في هذا البيت.
على كل حال: لن يضيعكم الله تبارك وتعالى، والوالدة أيضا لها دور كبير جدا في تولي هذه الأمور، وأعتقد أن الجهات الرسمية والشرعية أيضا سيكون لها كلام، وستجدون إن شاء الله من يعاونكم على الطاعة لله، ولا عيب في أن يطلب الإنسان المعونة والمساعدة، فـ (الناس للناس من بدو وحاضرة...بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم)، الإنسان يخدم الناس ويخدمه الناس، يقدم المعروف اليوم ويقدمون له المعروف غدا، وهذه هي سنة الحياة.
لا تتحرج من طلب المساعدة ممن يستطيع أن يقدم لكم المساعدة والنصح والتوجيه، وهذه الأشياء دين، الإنسان إذا قدم له معروف عليه أن يكافئ من قدم له المعروف، ثم عليه أن يساعد كل محتاج، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم، يساعد ويقبل المساعدات التي تأتيه، لأننا جميعا بحاجة إلى بعضنا، والله تبارك وتعالى هو الذي يغنينا جميعا من فضله.
إذا أولا: عد إلى الاجتهاد في دراستك، وتجنب المعاصي، وتوقف عن الممارسات السيئة؛ كلها لها علاقة بالانسحاب من حياتك الفعلية، الحياة الفعلية في الدراسة، وفي الجلوس مع الوالدة، في التواصل مع الصالحين من أصدقاء، في الانشغال بما يرضي الله من هوايات نافعة وأمور مفيدة، غير هذا ينبغي أن تتوقف عنه تماما.
اعلم أن الرجوع إلى الله والطاعة لله هو مفتاح التوفيق الرئيس في الحياة وفي الدراسة وفي المستقبل، ينبغي أن تحرص على طاعة الله تبارك وتعالى، والذي يريد أن يقدم لكم الأذية ينبغي أن تعلم أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، وأن من يفعل الخير سيجد الخير، وأن من يتعمد الأذية لن يجد إلا مثلها، لأن الله عدل كريم منتقم جبار سبحانه وتعالى.
لا تضيع وقتك مع الرسوم المتحركة، ولا تضيع طاعتك لربك بالانهماك في ممارسة العادة السيئة، واحرص دائما على أن تنتصر على شهواتك، وحول ما عندك من همة عالية وهم كبير إلى واقع وممارسة، لأنه لا يكفي أن يتمنى الإنسان وهو جالس في مكانه.
ورغم أنك شاب إلا أنك على أبواب مراحل عليا تؤهلك بعد ذلك؛ حتى لو أردت أن تواصل الدراسة تستطيع أن تعمل وتواصل الدراسة بعد اجتياز هذه المرحلة الحاسمة التي بعد ثلاثة أشهر، وعليك أن تعلم أن ثلاثة أشهر مدة قصيرة جدا في عمر الدراسة والتعليم، فاجتهد من الآن في دراستك، واجتهد قبل ذلك وبعده بطاعتك لربك، وكن بارا بأمك، وكن إلى جوارها.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمكم السداد والرشاد، وأن يعينكم على كل أمر يرضيه، هو ولي ذلك والقادر عليه.