كيف أتعامل من أبي العصبي؟

0 34

السؤال

باختصار أبي شخصية صعبة ومؤذية جدا، الجميع يكرهه، هو شخص أناني وفظ، ودائما يصرخ ويهينني وأخواتي بأقبح الألفاظ، مستهتر ولا يريد أن يبذل أي مجهود لأجلنا، ويرمي كل المسؤوليات المادية وغيرها علي أمي، ولم أشعر يوما أنه أب للحظة.

أبي يخون أمي بصفة مستمرة -علاقات علنية ومكالمات هاتفية، وأحيانا مقابلات لكن ليست خيانة جنسية-، حتى مع العاملة دائما يفضحنا ويحرجنا أمام الناس، مكروه من الجميع، ويتسبب بالمشاكل مع كل من حوله.

أمي تريد الطلاق منه منذ فترة طويلة لكن تخشى من نظرة المجتمع لنا، وقد حاولنا معه بكل الطرق، لكني كرهته بالفعل من كل قلبي ويئست منه.

مؤخرا تشاجر معي وكان يعايرني كونه يصرف علي، فرددت عليه قائلة بأنه بأن هذا هو حقي عليه، أهانني وكان سيضربني (ضربني كثيرا قبل هذا)، بعدها قاطعته وهو سافر إلى محافظة ثانية ولي حوالي أسبوعان لا أتحدث معه نهائيا، لكني خفت أن يغضب علي الله فاتصلت به لأخبره بحفل تخرجي فلم يرد علي، وقال لأمي بأنه لن يأتي ولن يحضر للحفل وأنه ليس له بنات.

هل أنا مذنبة أو عاقة؟ وكيف لي أن أتعامل معه؟ فأنا أرتاح جدا عندما يبتعد وأتجنبه كثيرا، فهل هذا حرام؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أختنا الكريمة-، وردا على استشارتك أقول:

فإن تصرفات والدك تنبئ عن ضعف في إيمانه، والمطلوب منكم أن تقتربوا منه أكثر، وأن تعينوه من أجل تقوية إيمانه من خلال التدرج في الأعمال الصالحة ابتداء بالمحافظة على أداء الصلاة، ثم فعل بعض النوافل، وتلاوة القرآن الكريم واستماعه، وإرسال المقاطع الصوتية والمرئية المؤثرة التي تخوفه من الله وتزجر عن اقتراف الذنوب، وقوة الإيمان يولد في النفس حاجزا يمنع صاحبه من الوقوع في المعاصي.

المؤمن رحيم بأهل المعاصي رفيق بهم فكيف إن كان العاصي والدك أو أمك؟! فصاحب المعصية مثله مثل المريض؛ لأن مرضه ليس عضويا وإنما مرض شهوة ومعالجته ممكنة، وما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه.

هذه طباع والدك وربما اكتسبها من البيئة التي عاش فيها أو تولدت فيه بسبب ضغوطات الحياة، ومهما كان فهو والدك وبجب عليك أن تخفضي له جناح الذل من الرحمة مهما ظلمك ومهما كانت أفعاله، فالله تعالى يقول في الوالد الكافر: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا)، وفي الحديث الصحيح أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالوالد خيرا فقال له رجل: وإن ظلم، قال: وإن ظلم.

الأب لا يكره لذاته وإن ارتكب ذنوبا فتكره أفعاله لا ذاته.

لا يجوز رفع الصوت عليه ولا النقاش بحدة كما حدث منك مهما كانت ألفاظه فيها قسوة، ولعلك تدركين قول الله تعالى: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)، وقوله: (فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما).

تضرعوا بالدعاء بين يدي الله تعالى أثناء السجود وسلوا الله تعالى أن يهديه ويصلح شأنه ويلهمه الرشد، ولا تيأسوا من رحمة الله تعالى، وأكثروا من دعاء ذي النون (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

لا بد أن تتعاونوا عليه جميعا، وأن تقتربوا منه أكثر وتأخذوا بيده وتنتشلوه من هذه السلوكيات المبغضة.

رفع الصوت على الوالد والحدة في التعامل ومقاطعته وهجره يعد من العقوق، فعليك أن تستغفري الله من ذلك وأن تعتذري منه، ولا تعودي لمثل هذا أبدا، وعليكم بالصبر عليه، وطلاق والدتك منه ليس هو الحل؛ لأن الأسرة ستتفكك، فصبروها وهي مأجورة في صبرها وما تبذله من أجلكم.

اجتنبوا كل ما يجعله يتعامل معكم بقسوة وتعاملوا معه بلطف، وإن تعامل بقسوة فاسكتوا ولا تردوا عليه؛ فإن الرد عليه يجعله يتصرف بحدة زائدة وتكونون مثل الذي يصب البنزين على النار.

بينوا له برفق نظرة الناس إليه وكيف أن سمعته بينهم ليست طيبة، وأنهم يتكلمون عليه بالكلام السيء، وتحينوا الوقت المناسب لذلك، وتبيين ذلك يكون بالانفراد به وليس بين جميع الأسرة، والمقصود أن كل واحد من أبنائه يتكلم معه منفردا، وحبذا لو أنه دعاه للغداء أو العشاء خارج البيت، وأثناء الرجوع يتكلم معه برفق ويبين له كل واحد منكم أنكم تحبون له الخير وتتأذون من كلام الناس فيه.

اعلمي أن لذنوب العبد عقوبات ومنها أن يكون الوالد يتعامل مع أسرته بهذه الطريقة والسبب ذنوبهم أو ذنوب بعضهم؛ فعليكم أن تستقيموا على دين الله وتبتعدوا عن المعاصي، يقول تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).

الهدية لها أثرها البليغ في توطيد العلاقة وترسيخ المحبة؛ فلو أنك قدمت له هدية لرأيت كيف سيتهلل وجهه؛ فكيف لو كل شخص من أبنائه نفس هذا الفعل!

توددوا له بالكلام الجميل وتفانوا في خدمته؛ وسترون أنه يلين لكم ويغير أسلوب تعامله.

الزموا الاستغفار، وأكثروا من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).

نسعد بتواصلكم، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات