هل الأمراض النفسية ابتلاء أم عقاب من الله؟

0 38

السؤال

السلام عليكم.

هل الأمراض النفسية عقاب من الله؟ هناك شخص يعاني من الاكتئاب، والوسواس القهري، وعدم ثقة في النفس، وسادية واضطرابات كثيرة جدا، ووسواس من الأمراض، يحس أنه مريض ويجب عليه أن يكشف عند طبيب، وأحيانا يحس أن الانتحار هو الحل لكي يتخلص من حياته، ويخاف أن تتطور الأمراض عنده ويصبح مريضا عقليا؛ لأنه أحيانا يرى أو يسمع شيئا ويكون متأكدا أنه حدث، وبعدها يأتي ويقول إنه لا يدرك أن كانت الأشياء حدثت أم لا، على الرغم أن كل من حوله متأكدين أنها حدثت.

وإذا ذهب إلى طبيب نفسي سيضطر أن يتحدث له عن أشياء خصوصية فماذا يفعل؟ يخاف من أهله إذا عرفوا أنه تحدث مع الطبيب النفسي؛ لأن الأشياء خصوصية، فهل هناك أمل من علاجه إذا ذهب إلى الطبيب أن يتخلص من كل هذه الأمراض؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية.

الأمراض النفسية مثلها مثل الأمراض الجسدية، ومثلها مثل كل شيء في الحياة، والحياة فيها الطيب، وفيها المحزن، وفيها المؤلم، وفيها الجميل، وفيها القبيح، وهذه حكمة من حكم الله تعالى، {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا}، {ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون}، وليس أي شيء من هذه الأشياء عقاب، فالله تعالى لا يحتاج في عليائه أن يعاقب البشر بأمراض أو خلافه، الله تعالى قادر على أن يأخذ الإنسان أخذ عزيز مقتدر إن شاء، {وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين}.

فالأمر لا يجب ألا تفهمه بهذه الكيفية، هذا نوع من النواقص في حياة البشر، الإنسان لا يمكن ألا يمرض، وإذا كان لا يمرض أصلا فيعني أنه في كمال تام، وحكمة الله اقتضت أن هذا يصاب بمرض نفسي، وهذا يصاب بمرض عقلي، وهذا يصاب بالسكر، وهذا يصاب بالسرطان، ... وهكذا، فإذا هي نوع من الابتلاءات التي هي جزء من حياة الإنسان، والإنسان يجب أن يقبلها، ودائما الأمراض تذكر الإنسان بأهمية الصحة، الأمراض تعلم الإنسان الصبر، تعلم الإنسان التوكل، تعلمه اليقين، والأمراض أيضا فرصة لأن يسعى الإنسان في العلاج، الإنسان الذي يمرض ولا يتحرك للعلاج ويعالج نفسه إنسان متواكل، وليس متوكلا. إذا يجب ألا نفهمها بالكيفية الخاطئة.

وأنا أبشرك أن الأمراض النفسية - أستطيع أن أقول - جميعها أصبحت تعالج، أو على الأقل تخفف، أو لا تتطور إذا لم يشف الإنسان منها، توجد علاجات دوائية، توجد علاجات نفسية، توجد علاجات شرعية، توجد علاجات اجتماعية، كما أن الأطباء في معظمهم هم مصدر ثقة ومؤتمنون على أسرار الناس، وهذه من أخص أخلاقيات الطبيب، لا يفصح بشيء قد أسر به مريضه، ونحن نعرف الكثير والكثير من أسرار الناس، ونقدرها، ونحترمها، وما لا نريده لأنفسنا أو لأسرنا لا نريده للآخرين.

فأرجو أيا كان هذا المريض أن يذهب ويقابل الطبيب الثقة، وإن شاء الله تعالى من خلال الاستقصاء والمناظرة يصل الطبيب للتشخيص الصحيح.

ويجب أن أشير إلى أن أي سؤال يسأله الطبيب النفسي هو ذو أهمية، لابد أن يكون له سبب، مثلا إذا سأل عن الأسرة: هل هناك مرض في الأسرة؟ ما هي العلاقات الأسرية؟ هل هناك شخصية تتعاطى المخدرات مثلا في الأسرة أو شيء من هذا القبيل؟ هل هناك شخص يدخن؟ والأطباء يسألون في أخص الأشياء، هذا لا يعني أبدا أن في هذا فضول أو متعة فكرية للطبيب، لا، هذا كله مهم جدا للوصول إلى التشخيص الصحيح، ولوضع الآليات العلاجية الصحيحة.

أنا أحزن جدا حين أسمع أحدا يتكلم عن الانتحار، هو حقيقة أمر سخيف، ويخسر المنتحر، يخسر الدنيا والآخرة، شقاء ما بعده شقاء، ويترك وراءه عار وأحزان يصيب أهله وذويه.

والحمد لله أستطيع أن أقول إن نسبة الانتحار بين المسلمين ضئيلة وضئيلة جدا، وتكاد تكون معدومة أو لا تعد على الأصابع، وهذا من رحمة الله تعالى بنا. الإسلام يقي من الانتحار، وعنده الحلول، وعنده العلاج، والإنسان الذي تأتيه هذه الأفكار الشريرة –الأفكار الشيطانية– حول أن يأخذ حياته عنوة يجب أن يتوجه إلى الطبيب، يتكلم مع أحد، مع صديق، مع إمام مسجده، مع أحد والديه، مع أحد إخوانه، يجب أن يبتر هذه الأفكار، يجب أن يقطعها عن فكره، وأنا متأكد أن مجرد الحديث مع أحد الناس الموثوق بهم؛ هذا يعتبر نوعا من التنفيس النفسي.

فأرجو أن تكون مفاهيمنا إيجابية جدا عن العلاج وعن المرض، ونسأل الله تعالى الصحة والعافية للجميع.

مواد ذات صلة

الاستشارات