السؤال
السلام عليكم.
مرضت مرضا شديدا وطويلا لمدة 49 سنة، فرحمني الله بالشفاء، فتحت عيني ووجدت نفسي بهذا العمر، كل تجارب الحياة انتهت، لم أتزوج، لم أنجب، لم أكمل تعليمي، لم أعمل، لم أعش حياتي، لا طفولة، لا مراهقة، لا شباب، ما عندي ذكريات جميلة أتذكرها حتى تسليني، ماذا أفعل؟!
صار لي سنة جالسة في البيت وحدي، كيف أعيش حياتي من جديد؟ لا أشعر أن عمري 50 سنة، كأني شابة بالعشرينات، أقصد من الناحية النفسية، ولا أعرف ماذا أفعل؟ هل ألبس ملابس النساء الكبيرات بالسن مثل اللون الأسود والطرحة السوداء وأحني شعري بالحناء لأن الصبغة لا تناسب المرأة الكبيرة بالسن؟! لا أشعر بسني الحالي؛ لأني لم أعش مراحل الحياة، كيف أجعل لي أهدافا في حياتي غير الدينية، ماذا أفعل كي أشعر أني في الخمسين كي لا أتعرض للنقد؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت العزيزة/ منار حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فنسأل الله أن يوفقك للخير، وأن يقدر لك الخير، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يجعلنا ممن إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر وإذا أذنب استغفر.
حمدا لله على سلامتك وشكرا لمن رحمك بالشفاء، وهل يكشف البلاء إلا رب الأرض والسماء؟ فأكثري من اللجوء إليه والدعاء، واعلمي بأن أعظم الناس بلاء الأنبياء، وأن الله إذا أحب إنسانا ابتلاه فمن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط والشقاء، وإذا تذكر الإنسان لذة الثواب نسي ما يجد من الألم والضراء، وعجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له أو أصابته ضراء صبر فكان خيرا، وأحسن من قال:
إذا مس بالسراء عم سرورها **** أو مس بالضراء أعقبها بالأجر
وقد قال عمر رضي الله عنه: (ما أصابتني مصيبة إلا وجدت أن الله قد أنعم علي فيها بنعم أربع:
أولها: أنها لم تكن أكبر مما كانت.
ثانيها: أن الله صبرني عليها.
ثالثها: أن الله ادخر لي أجرها وثوابها.
رابعها: أنها لم تكن في ديني، وإذا سلم الدين فكل مصيبة هينة وسهلة.
وأرجو أن تعلمي أن السعادة ليست في المال ولا في الزواج ولا في الإنجاب ولا في العمل، ولكن التقي هو السعيد؛ فاسلكي سبيل المتقين وعمري يومك بطاعة رب العالمين، واعلمي أن الدنيا ساعة والفلاح في أن نجعلها لله طاعة.
وإذا وجد الإنسان فراغا فعليه أن يعمره بالذكر والتلاوة والسجود والإنابة، فاغتنمي فراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك، وانظري إلى المستقبل بأمل وتفاؤل وتذكري أن الدنيا مليئة بأصحاب المصائب وأنها دار الأكدار، وأحسن من قال:
جبلت على كدر وأنت تريدها *** صفوا من الأكدار والأقذار
ومكلف الأيام فوق طباعها *** متطلب في الماء جذوة نار
واعلمي أن الإنسان لا يملك من الدنيا إلا اللحظة التي يعيشها، فالأمس قد مضى والغد لا يدري هل يبلغه أو يموت قبل حضوره، فليس أمام الإنسان إلا اللحظة الحاضرة والفلاح في عمارتها بالطاعات.
ولا شك أن العبرة ليست في العمر، ولكن المهم هي قوة القلب وصلابة العزيمة فكم من شاب يحمل قلبا خاملا، وكم من شيخ كبير يعيش بعزيمة الشباب، فيسارع إلى الطاعات وينافس في ميادين القربات.
والله ولي التوفيق والسداد.