السؤال
السلام عليكم.
بدأت مشوار الصدقة قبل سبع سنوات من الآن، كنت أقول في نفسي: اعرف الله في الرخاء يعرفك في الشدة، كنت أسعى لجبر الخواطر، وزرع البسمة، وتخفيف هم وقضاء حاجة، وسقيا ماء، وإطعام الطعام، أسعى بالليل والنهار سرا وعلانية.
في خلال السبع سنوات، رزقت بطفلين مرضى، يكاد لا يمر الشهر إلا وأذهب بهم إلى المشفى لأيام كانت تصل لأسبوع.
وراء كل خير أفعله ضربة من الدنيا، أصبحت أخشى من فعل الخير، ضيق، وهم وحزن، وتعب حتى النوم جافاني، أين أثر الصدقة؟ أين جبر الخواطر؟ أين اللقمة التي دخلت بطن جائع أو الماء الذي أطفأ ظمأ؟ أين التخفيف عن الناس؟ أين السعي في حاجاتهم أين وأين؟
والله العظيم أني كنت أحرم نفسي وأهلي حتى لا يبيت أحدهم يبكي، قلبي مكسور، والأبواب كلها مغلقة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا وأخانا- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على الخير، وأرجو أن تستمر على الخير، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يكتب لأطفالك ولك السلامة والعافية، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
أرجو أن تعلم أن الخير يجلب الخير، وأن الإنسان عليه أن يفعل الخير لله تبارك وتعالى، وما يحصل له بعد ذلك من فعل للخير وبذل للصدقة ومن خيرات هي منح من رب الأرض والسماوات، ولكن الإنسان يفعل الخير، وليس معنى ذلك أنه لا يبتلى ولا تأتيه الصعاب، لأن أكثر الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الأمثل فالأمثل، ولا يمكن أن نربط بين نزول المصائب وبين بعد الإنسان عن الله، والدنيا من أولها إلى آخرها لا تزن عند الله جناح بعوضة، ولو كانت كذلك فما سقي كافر منها جرعة ماء، يشبع في الدنيا لكع بن لكع، ويجوع في الدنيا الكريم موسى، {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير}، ويجوع فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فيربط الحجارة على بطنه، ويؤثر الحصير في جنبه، وكسرى وقيصر يتنعمون في الحرير والديباج.
ولذلك أرجو أن تكون هذه المعاني واضحة، ونحن نتمنى ألا تتوقف عن فعل الخير بسبب أنه لم يتحقق لك بعض ما تظن أنه الخير، فنحن لا نعرف أين الخير، هل الخير في أن نصبر؛ فالصبر يوصل إلى جنة الله، أم الخير في أن تأتينا النعم فنشكر؛ والشكر يوصل إلى رضوان الله تبارك وتعالى.
وأرجو أن تعلم أن ما تبذله من صدقات وما تفعله من خيرات ربما كان السبب في تخفيف المصائب، إذ لو لم تفعله لكان البلاء أضعافا مضاعفة، ولذلك نسأل الله أن يجعلنا وإياك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، والإنسان عندما يبذل ينبغي أن يجعل النية لله تبارك وتعالى، لا يجعل النية لأجل أمور أخرى، ولكن يجعل الأصل في نيته أنه يفعل هذا لله، وعند ذلك من بركات الإخلاص لله تبارك وتعالى أن ننال الشفاء في أولادنا والعافية في أبداننا والطمأنينة في حياتنا، واعلم أن الخير أيضا يأتي في صورة الشر – والعكس – ولذلك لو كشف الحجاب – كما قال عمر – ما تمنى أصحاب البلاء إلا ما قدر لهم، واستمع أيضا إلى قول عمر بن عبد العزيز: (كنا نرى سعادتنا في مواطن الأقدار، في ما يقدره الله)، فاستمر على فعل الخير، وتجنب التضجر والتسخط وتجنب مثل هذه الأسئلة: أين فعل الخير؟ أين فعل الخير؟
أنا أريد أن أقول: لو أن الإنسان عبد الله دهرا بل دهورا هل يكافئ هذا نعمة العافية؟ هل يكافئ هذا نعمة البصر؟ هل يكافئ هذا نعمة وجود أولاد فضلا عن كونهم مرضى أو غير مرضى؟ فما أحوجنا إلى أن نعرف مقدار النعم التي نتقلب فيها ثم نؤدي شكرها، ونصبر إذا ابتلينا، الإنسان حقيقة لا يتمنى البلاء، ولكن (اسألوا الله العافية)، لكن لما يحصل البلاء الإنسان عليه أن يستعين بالله ويصبر، والصبر باب عظيم إلى توفيق الله وإلى جنة الله.
نسأل الله أن يقدر لك الخير، وأن يعينك على فعل الخير، وأن يتقبل منك فعل الخير، وأن يكتب الشفاء العاجل لأطفالك وأطفال المسلمين، هو ولي ذلك والقادر عليه.