السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
في البداية أود أن أشكركم جزيل الشكر على هذا الموقع البناء، وعلى هذا الجهد المبذول في الرقي بعقول الأمة وخاصة الشباب.
أنا فتاة في الثانية والعشرين من عمري، أحب الله ورسوله، وأحب أبي وأمي، وأريد الالتزام الدائم بطاعة الله.
شيخنا الفاضل! أعرف أن العلاقة بين الأبوين والأبناء علاقة لا تتسع السطور لها مهما طالت، وتعجز الكلمات عن وصفها مهما ارتقت، ولكن يحدث أحيانا ما يعكر صفو هذا الجدول الرقراق، وهذا هو موضع سؤالي.
أنا أعرف جيدا ما على الأبناء تجاه الآباء، وأنا أحاول أن أقوم به، ولكن يحدث أحيانا بعض التقصير، ولكن يعلم الله أني لا أتعمده، بل على العكس أنا أحاول أن أرضي الله بكل ما أستطيع فيهما، ولكني بالنهاية بشر أصيب وأخطئ، ولهذا فسؤالي هو: هل إذا حدث وأخطأت في حق أبي أو أمي ذات مرة، وحاولت أن أصلح ما أخطأت، فهل لهما أن يصداني بالرغم من رجوعي عن خطئي؟ أم يعد هذا هو خطأ أيضا في حقي وتعنتا يضر أكثر مما يفيد؟ لأني في الحقيقة عندما أجد هذا الصدود تحدثني نفسي بالنكوص إلى الخطأ مرة أخرى؛ لأني لم أجد ما يساعدني على الرجوع، وفي نفس الوقت أنا لا أريد أن أعصي الله، وهذا يضعني في حالة من الشد والجذب مما يسبب لي ألما نفسيا كبيرا.
أرجو المعذرة على الإطالة، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت العزيزة/ فتاة الإسلام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
فنسأل الله أن يحفظك ويسدد خطاك، وأن يجعلك فخرا لوالديك وللإسلام، وأن يصلح بك أهلك والعباد، وأن يلهمك السداد والرشاد.
فهنيئا لمن تحب الله ورسوله ثم تحرص على حب والديها وتخاف من التقصير في حقهما، ونسأل الله أن يزيدك حرصا، وأن يمتعك بحياة والديك، وأن يرزقك برهما في الحياة والوفاء لهما بعد الممات.
وأرجو أن تعلمي أن الله يسامح على القصور ولا يقبل التقصير، وأنه تبارك وتعالى يحاسب الناس بنياتهم وينظر إلى قلوبهم وأعمالهم، وليس إلى أجسادهم وأموالهم، ولا يخفى عليه حبك لوالديك، وهو سبحانه القائل بعد آيات البر بالوالدين: ((ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا))[الإسراء:25]، وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، والله تبارك وتعالى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وإذا رضي الله عنك فلن يضرك غضب أحد، واجتهدي في استرضاء والديك وكرري المحاولات ولا تيأسي، واسألي الله أن يرزقك رضاهما، ولا تكرري الخطأ وترجعي إليه، فإن تأخر رضاهما ليس عذرا في الإصرار على الخطأ والتمادي في العناد، فإن ذلك يغضب رب العباد.
وتذكري أن الشيطان عدو للإنسان وأنه يدفع الإنسان للعصيان، والفلاح في مخالفته واتباع القرآن، واعلمي أنك مأجورة على محاولاتك في الإصلاح وصبرك على الجفاء، وإذا تذكر الإنسان لذة الثواب نسي ما يجد من الآلام، فكرري المحاولات وابحثي عن الوساطات، وأشركي الأعمام والخالات، وقدمي بين يدي ذلك كله صنوفا من المبرات، وأكثري من اللجوء لرب الأرض والسماوات.
ومهما كانت الردود وإن تكرر الصدود فلا تزدادي إلا حبا لهما ورغبة في نيل رضاهما، والله سبحانه لا يضيع أجر المحسنين؛ فتعوذي بالله من الشيطان واسألي الله أن يقيك من شرور النفس وأن يجنبك العصيان، واحرصي على طلب رضا الوالدين، وسوف تنالين أجر ذلك في الدنيا ويوم يجمع الله الإنس والجان.
ونسأل الله لك السداد والثبات.