نسيان الماضي المرير .. والنظر للحياة بتفاؤل

0 582

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة، لم تتم الإجابة عن تساؤل سابق لي وهذا قد أصابني بالحزن الشديد، فإني أعيش في بلاد الغربة ولا أجد الصديق الثقة الذي يدعمني في وقت الضيق، وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد.

عندي عدد من التساؤلات:
1ـ إصابة شقيقتي بمرض خبيث رغم كونها كانت بارة بوالديها، وهو غير قابل للشفاء ومؤذ، ولقد عايشت التجربة القاسية منذ طفولتي حتى اليوم.

2ـ كيف يستطيع الإنسان نسيان تجارب الماضي والسير إلى الأمام؟ علما بأنها كثيرة، كيف أستطيع أن أنسى مرارة الظلم ومن تسبب به؟

3ـ كانت حياتي منذ الطفولة كلها تجارب مخيبة، ورغم إيماني الكبير فأنا أعلم أن نهاية البدايات الحزينة هي حزينة.

4ـ يطلب من الفتاة التي لا تجد الزوج الصبر وهذا جميل، ولكن ألا توجد حلول إسلامية لهذا؟ والمشكلة أصبحت عويصة في كل الوطن الإسلامي، الرجال يتزوجون من الأجنبيات والمجتمع يحقر البنت المسلمة وعند خطبتها يعاينها جميع أهل الخاطب الذين قد يكونون غير متعلمين مثلها، وإذا لم تتزوج الفتاة تعامل كالمريضة النفسية.

أما إذا حلت الأجنبية في بلادنا فلا ينقصهم إلا أن يصلوا لها، تحصن الفتاة نفسها لتكب في المحرقة في سن الزهور، ونقول بلاد الغرب فيها الأمراض الاجتماعية، ولكن الفتاة عندهم لا يحكم عليها إلا حسب عطائها وتظل متحمسة للحياة لبعد الخمسين.

5ـ هل تنصحوني بإكمال الدكتوراه بعد انتهائي من الماجستير؟ فأنا الحمد لله حصلت على علامات متميزة جدا، ولكن الوحدة والحزن من الماضي جعلاني لا أرى النور في آخر الطريق، ولكن حياتي في بلدي كانت أصعب بكثير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت العزيزة/ حفظها الله!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يرزقنا الرضا بقضائه والصبر على بلائه، وأن يفرحنا يوم لقائه.

إن البدايات الحزينة توصل إلى نهايات بهيجة إذا صبر الإنسان واحتسب، بل إن الابتلاء والاختبار خطوة في طريق النصر والعزة والتمكين، قال تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) [السجدة:24]، وقد قيل للشافعي: (أيمكن المؤمن ثم يبتلى أم يبتلى ثم يمكن؟ فقال: لا يمكن حتى يبتلى)، ولذلك فقد قال غير واحد من السلف: (بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين).

أرجو أن تنظري للحياة بتفاؤل، واخلعي هذه النظارة السوداء، (وكن جميلا ترى الوجود جميلا)، وعلمي نفسك الرضا بقضاء الله وقدره، وثقي بأن الدنيا لو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها جرعة ماء، واعلمي بأن الله يعطي الدنيا للمسلم وللكافر لمن يحب ولمن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحبه، ولذلك وجه رب العزة والجلال عبده صلى الله عليه وسلم وعباده فقال: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى) [طه:131]، وقد سمى الله الدنيا (زهرة) والزهرة عمرها قصير جدا، وجمالها ظاهري فقط، وكذلك رائحتها؛ فإن الإنسان إذا فرك زهرة لينظر ما بداخلها واجهته الروائح المنتنة، ثم قال: (لنفتنهم فيه) فأهل الدنيا في اختبار عسير، ثم قال في ختام الآية: (ورزق ربك خير وأبقى) يعني: ورزق ربك من الدين والتقى خير وأبقى.

العاقل لا يقف عند الماضي ولا يعتبر المواقف السالبة هي نهاية المطاف، لكنه يستفيد من التجربة، ويمضي إلى الأمام وهو يردد: (قدر الله وما شاء فعل)؛ لأنه يعلم أن لو تفتح عمل الشيطان وتجلب الآلام والأحزان، وتمنع الإنسان من النظر إلى الأمام، ويكون مثله كمثل إنسان لدغته عقرب فظل يدور حولها ويقول لو فعلت كذا لما وصلتني؛ وهو تلدغه المرة تلو المرة؛ لكن العاقل يقتلها ويمضي ويعجل بالخروج من المكان ويتعظ، فالمؤمن لا يلدغ من الحجر الواحد مرتين.

أرجو أن تتذكري أن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل، وأن الله إذا أحب عبدا ابتلاه؛ فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط، ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة، والمصائب تصيب المطيع والعاصي، والناس ينقسمون عند نزول المصائب إلى ثلاثة:

(1) طائفة كانت على الخير والطاعة والبر فتزداد بصبرها رفعة وتنال منازل ما كانت لتصل إليها إلا بصبرها على البلاء.

(2) طائفة كانت غافلة فردها البلاء إلى الله ورجعت وتضرعت: (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا) [الأنعام:43].

(3) وطائفة على الغفلة والعصيان والجحود والنكران، فلا يزيدها البلاء إلا بعدا، وأولئك الذين (قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) [الأنعام:43]، وأرجو أن تصبر هذه الأخت لتكون من الطائفة الأولى، وقد يتساءل بعض الناس ويقول: نحن نرى بعض العصاة يتمتعون ويعيشون، ونحن نقول: إذا رأيت الله يعطي العبد رغم معاصيه فاعلم أنه مستدرج، قال تعالى: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) [الأنعام:44]، يعني يائسون من كل خير وفاقدون لكل أمل.

وليت شبابنا يتعظ ويقف على عواقب الزواج من الأجنبيات وأثر ذلك على البنين والبنات، كما أن تعظيم الأجنبية يدل على هزيمة نفسية عميقة عند هؤلاء، ولا شك أن الفتاة الغربية مجبورة على العمل والكدح والتعب وإلا فسوف تموت من الجوع.

وأرجو أن تعرفوا أن السعادة ليست في المال ولا في الزواج ولا في الذهب، ولكنها في الإيمان والذكر والطمأنينة، وهذه المعاني لا توجد إلا في رحاب الإيمان، ومن واجبنا أن نسهل أمر الزواج لشبابنا وفتياتنا وأن نعينهم على العفاف، وقد أمرت الشريعة من لم يتمكن من الزواج بالصيام والحرص على العفة والطهر فقال سبحانه: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) [النور:33]، والمسلمة ترضى بقضاء الله وقدره، وكم من امرأة سعدت بإيمانها وخوفها من الله.

ونحن ننصحك بإكمال الدراسة، والصبر على الوحدة؛ فإن العلم لا ينال إلا على جسر من التعب والتضحيات، واعلمي أن الكون ملك لله ولن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله، فعمري وقتك بذكر الله، واشغلي نفسك بطاعته، واعلمي أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلمي أن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرا.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات