السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في البداية معذرة على الإطالة ولكن لأفهم ما أريده.
أنا في صغري كنت فتى عزيز النفس جدا، ولكن بما أنني في مجتمع سافل تافه فهم لا يعرفون عن الأمر غير اسمه، ويرضى الواحد فيهم أنا ينادى بأبشع الألقاب، وهو يضحك حتى ولو سببت أباه، والأطفال لم يكن لهم شخصية أبدا، بل هم دائما تبع لما هو منتشر، وأنا للأسف في سن ال12 سنة ولمدة ثلاث سنوات تأثرت بهم تأثرا كبيرا، فهم ممن كان حولي على أنني لم أصل لمستواهم، ولكني صرت لا أتضايق من بعض أنواع المزاح مثلا: مما كنت أرفضه تماما في صغري ثم تمادى الوضع أكثر وقد حصل لي عدة مواقف هي ما أريد أن أسأل عنه، وأريد أن أعرف إن كان يمكنني استرداد كرامتي، أم أنها هدرت للأبد.
أنا والله فكرت في الانتحار بعدما عدت لرشدي منذ فترة قريبة، سأبدأ هذه المواقف بالترتيب الزمني:
1- أذكر وأنا في عمر 11 سنة كنت أمشي في الطريق وأخي معي إذ مررنا بمجموعة في سن ال13 سنة تقريبا وكانوا أكثر منا وقد شتمونا، وقفت لهم ورددت عليهم، ولكن كان معهم آلات حادة ويفوقوننا عددا، فضربني واحدا منهم وشتمني، وأنا واقف مكاني لا أريد قتاله حتى لا أتأذى، ولا أريد المشي لكي لا أكون جبانا، ثم بعدها تركني وذهب، وذهبت وأخي وأكملنا طريقنا.
2- كنت أتعرض للألقاب المزعجة أحيانا، ولكثرة المتنمرات كنت غالبا لا أرد.
أخيرا وللأسف حصل أن كلمت فتاة، وبغض النظر عن التفاصيل لأنه غالبا ما تفهم أخطائي تركتني في النهاية، وتوسلت لها لتعود، وهو ما قصم ظهري بعدها، فأنا لم أتخيل أن أفعل هذا في حياتي، فهل من حل لهذا؟ وهل ما حصل قبل فترة لا يؤثر؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك ابننا الفاضل والعزيز إلى النفس، نسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يهديك لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو.
أرجو أن تعلم أن الإنسان لا يترك ما عنده من كمالات إذا كان مع ناس فيهم النقص، بل ينبغي أن يرتفع، بل ينبغي أن يقابل بالتي هي أحسن، {ادفع بالتي هي أحسن}، وهذا ما نتمنى من أمثالك أن يثبتوا عليه.
أما بالنسبة للمواقف التي حصلت في الصغر فهي مواقف ينبغي أن تطوى، وتحاول ألا تقف عندها طويلا، وإذا ذكرك الشيطان بها فمن المهم أن تتجاوزها، خاصة ما حصل وعمرك إحدى عشر سنة وثلاثة عشرة سنة من تعرضك لسب أو عدوان أو تنمر، كل ذلك مضى، وهذه الصفحات ينبغي أن تطوى، وأرجو أن تتخلص من آثارها، لأن هذا كثيرا ما يحدث، ولكن في النهاية الإنسان ينبغي أن يستفيد من هذه الدروس، ويجتهد في ألا تترك آثارا غائرة وسالبة في نفسه.
والذي يتكلم بألقاب مزعجة أو سيئة أو يتنمر؛ هذا في الحقيقة هو نفسه مريض، وهذه الألفاظ يعبر بها عن نفسه، فكل إناء بالذي فيه ينضح، فالذي ليس عنده إلا السب ماذا سيعطي الناس؟! فاحمد الله الذي أعانك على الخير، والذي جعلك صاحب بصيرة تدرك أن هذه الأمور خطأ، والآن ولله الحمد أنت في مراحل التكليف الشرعي، أنت تسأل الآن عن الأخطاء، أما ما مضى في الصغر فذاك معفو عنه، فقد رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحتى لو أن بعضها حصل وكان عدوانا عليك وتنمرا من آخرين فإنك لا تحاسب ولا تساءل، ولا تعتبر جبانا، لأن معهم حديد، وكانوا مجموعة، وليس من المصلحة أن ترد على كل جاهل وسفيه، بل الإنسان ينبغي أن يتحمل من أمثال هؤلاء حتى لا يحقق لهم ما يريدوه من العدوان والأذى.
بالنسبة لما حصل من الكلام مع الفتاة، فالعلاج فيه: توبة لله نصوح تبارك وتعالى، والتوبة تجب ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتوبة النصوح هي التي تبدأ بالإخلاص لله، الصدق فيها مع الله، التوقف عن العمل، والحمد لله أنك توقفت، الندم على ما حصل، العزم على عدم العود إلى تلك الخطيئة، وإذا صدقت مع الله وأخصلت في توبتك وأتيت بالشرائط المذكورة فأنت تنال ما هو أكثر من المغفرة، ليس مجرد مغفرة، ولكن الأمر كما قال ربنا التواب الرحيم: {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات}.
فاصدق مع الله تبارك وتعالى، وامضي إلى الأمام، وابدأ بحياتك بأمل جديد وبثقة في ربنا المجيد، ولا تعيد مواقف الطفولة، لأن هذا من الشيطان، يريد أن يملأ نفسك حقدا وحسدا، ويريد أن يشغلك عن دراستك، وعن الجد في حياتك، فالذي مضى ينبغي أن يمضي، والإنسان لا يلتفت إليه، وإذا ذكرك الشيطان به فتعوذ بالله من شره، وانطلق إلى الأمام بنفس جديد وبروح جديدة وبعزم على طاعة الله تبارك وتعالى، ونسأل الله لنا ولك التوفيق، ونحيي هذه المشاعر التي دفعتك للكتابة إلينا، وأرجو أن تستفيد من هذه الإجابة، فلا ترجع إلى الوراء، ولا تستجيب للشيطان الذي همه أن يحزن أهل الإيمان.
نسأل الله أن يسعدنا وإياك بطاعته، وأن يلهمنا جميعا السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.