كيف أتعامل مع أبي الذي يضربنا دائمًا؟

0 51

السؤال

السلام عليكم.

مشكلتي منذ صغري مع أبي، دائما يضربني أنا وإخوتي ويؤذينا كلما أراد أن يضيق الخناق على أمي، لم يكن ضربا من أجل التأديب، بل كان يضربنا ليحذر أمي من الانفصال عنه، وعندما تحاول أمي أن تحمينا كانت تعنف أيضا، وينتهي بها الأمر في المشفى، حتى سافر من أجل عمله لأكثر من سبع سنوات غائبا عنا.

كنا في نعيم وراحة رغم أنه لم يكن يرسل لنا المال إلا نادرا، كبرت وأخرجت من رأسي فكرة أني سأتعامل مع ذلك الوحش مجددا، والآن وقد رجع عدنا إلى الألم ذاته، والإهانة والشتم بأقبح الألفاظ البذيئة والضرب، كنا قد نسينا الألم لفترة، لقد كبر في قلبي كرهه، لم يقم يوما بمحبتنا، هو فقط يريدنا أن نكون كالبهائم، دائما ما يبدأ الشجار بسببي لأني لا أستطيع أن أرضخ، أو كما يقول إخوتي أنافق، أنا عندما أرى ما يزعجني فالتعابير ترتسم على وجهي، والعجيب في النهاية أنه عندما يهدأ الشجار يخبرنا بأننا السبب، وأنه أب ويجب طاعته، ولكنه لا يعرف أنه لا يستحق تلك الأبوة، فهو لا يغير على أهل بيته من الرجال الآخرين، ولم يقم يوما بحمايتنا، دائما يجلب كل ما يحبه، ولو كان على حساب مصلحتنا وصحتنا وحياتنا.

لقد حاولت أن أتقبله عندما عاد من سفره، ولكن بسبب أخطائه المتكررة عجزت عن تقبله، أنا لا أحبه، وكنت أرغب بالمحاولة من أجل رضا الله، ولكن أنا إنسانة ولدي قلب ومشاعر، وقدرة تحمل، نفد صبري لدرجة أني حاولت الانتحار.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ قسمت حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله أن يفرج الكرب، وأن ينفس ما تعسر على البشر تنفيسه، وأن ييسر بقدرته ما كان عسيرا على خلقه، وأن يلهمك طريق الصواب، وأن يرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه.

وأما بخصوص ما تفضلت به فإنا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: إننا بداية متفهمون ما تشعرين به من ألم، وما تعانينه نفسيا من وضع غير مستقيم، وقد بدأ منذ نشأت كما تفضلت، لكن -يا أختنا- مع كل ما مضى لنا عتاب عليك، لقد ذكرت في والدك مثالبه، ولا أدري هل تناسيت محاسنه؟! أليست للوالد حسنة واحدة يذكر بها حتى تقولي عنه ما قلت؟ ألا تذكرين له ولو تضحية واحدة قام بها لأجلكم؟ إن لكل والد جانبا خفيا لا يعلمه الأبناء: إما بحكم عدم القدرة على الاستيعاب -وهذا يكون في السنين الأولى- أو يكون بعدم الإحاطة بكل المعاناة التي يعانيها الأب، ووالدك الآن صار رجلا كبيرا وقادما من علاج استمر سنوات، وتصيبه -ولا شك- بعض الآلام والأمراض, وربما لا تشعرون أنتم إلا ببعضها، وكان الأولى أن نذكر ما أحسن فيه الوالد، وما يؤخذ عليه، حتى لا تتعاظم تلك النظرة في نفسك، والتي وصفته بها بالوحش، وما كنا نتمنى منك ذلك، وأنت الفتاة الصالحة المريدة للخير.

ثانيا : شكر الله لك ولأمك وللجميع حسن تحمل والدك، وإننا ندعوكم إلى الصبر عليه والإحسان إليه بكل سبيل، فإن بره -خصوصا مع حالته- من أعظم الطاعات، وعقوقه -أختنا الفاضلة- من أعظم الموبقات، فقد جاء في الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس.
وقد حثنا القرآن العظيم على الإحسان إليهما قال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا).
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه). وقال عليه الصلاة والسلام محذرا كل عاق: "رغم أنف رجل بلغ والداه عنده الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة".
وقد قال أهل العلم إن حق الوالدين يستمر حتى مع إساءتهما وتقصيرهما في حق الأبناء، لأن الله سبحانه لم يربط البر بالإحسان، وإنما ربطه بالأبوة حتى ولو كانا مشركين يدعوان ابنهما إلى الشرك بالله والكفر به، فعليه حينئذ أن يصاحبهما بالمعروف، قال سبحانه: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ".

ثالثا: نحن نرى أن كل سلوك تربوي خاطئ لا بد أن يبين ولا نوافق عليه، لكن ما نريد التأكيد عليه -أختنا الفاضلة-، أن والدك سيبقي والدك وإن أخطأ، وإن واجب الدعاء له يبقى دينا في عنقكم له، وإن طاعته في غير معصية لله فرض عليكم.

رابعا : النظرة الواقعية أهم ما ينبغي الانطلاق منها: وهي أن تغيير عادات الأب دفعة واحدة أمر يصعب الاعتماد عليه، لا سيما وقد نشأ عليها واعتاد، ولكن المطروح هو تقليل العادات السلبية ما استطعنا، وهذا يحتاج عدة أمور:
- التقرب من الأب وذلك نفسيا من داخلك قبل أن يكون حواريا، وهذا يلزمه تذكر بعض حسناته، وتهوين بعض السلبيات، والتماس الأجر على بره من الله عز وجل.
- الحوار الهادئ معه الذي يشعره بقيمته وإن كانت ضعيفة، وبقدره وإن كان قليلا، وبأهميته في البيت وإن كان ضعيفا، فالوالد يستشعر كما الأم حب الأولاد وحرصهم، وإذا اقتربت منه بهدوء وأيقظت الأبوة المخدرة في نفسه ستكتشفين أشياء كثيرة.
- إن كان لوالدك بعض الأهل العاقلين الذين يحبهم أو الأصدقاء الذين يستمع إليهم، إن كان هذا قائما نريد منكم التواصل معه عن طريق الذكور أو بعض الأهل يطلبون منه التقرب إلى الوالد والاجتهاد في إيصال بعض المعاني له عن طريق غير مباشر.
- إن كان والدك يصلي في مسجد ما، فيمكنك كذلك التواصل مع شيخ المسجد للحديث إليه إن كان يعرفه أو تخصيص خطبة جمعة عن حق الأبناء على الأباء.

خامسا: العرب تقول : إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون، ونحن ننصحك بالتعامل الإيجابي مع الواقع ومعايشته، وإظهار المواقف الإيجابية وعدم تضخيم السلبيات، وعليك بكثرة بالدعاء لله عز وجل أن يشرح الله صدره، وأن يهدي قلبه، وأن يصلح حاله، وأن يعينكم على بره، ونحن نوصيك وبشدة بالإحسان إليه، والصبر عليه، واعلم أنه فاكهة عندك اليوم وهو عنك راحل، فاجتهدي في طرد تلك الأفكار، واستعيني بالله على بره، واحتسبي الأجر من الله، واعلمي أن الأجر على قدر المشقة.

أختنا : هذا الطريق الآمن لعلاقتك بوالدك، أما الحديث عن التناطح معه، أو العيش في دائرة (وحش) لا تجنين من ورائه إلا مزيدا من الهم والحزن، وقد ذكرت سلمك الله أنك فكرت في الانتحار، وهذا بالطبع عمل شنيع، ففيه خسارة الدنيا وخسارة الآخرة، وما أوصلك إلى ما أنت فيه إلا أربعة:
- أخطاء قائمة.
- تضخيم الشيطان لها وجعلها أعظم مما كانت.
- غياب البعد التديني.
- التقصير في محاولة فهم الوالد، وإصلاح ما يمكن إصلاحه.
جربي ما ذكرناه، وستجدين الخير فيه، مع الدعاء له ولك في صلاتك.

نسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك، وأن يهدي والدك لطريق الرشاد، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات